قبل خمسين عاماً في 22/ مايو1963م التقى في عاصمة الديبلوماسية الأفريقية أديس أبابا، ثلاثون من رؤساء الدول الأفريقية، وبرفقتهم ألفين من أعضاء الوفود . كان ذلك عند تأسيس منظمة الوحدة الأفريقية. اليوم في 52/ مايو 2013م التقى في العاصمة الأثيوبية قرابة خمسين من رؤساء الدول الأفريقية، يرافقهم (3) آلاف من أعضاء الوفود، للإحتفال بالذكرى الخمسين لقيام الإتحاد الإفريقي. قبل خمسين عاماً التقت في أديس أبابا كوكبة فريدة من الزعماء الأفارقة، ضمَّت إبراهيم عبود وهيلا سيلاسي، جمال عبد الناصر وجومو كينياتا، أحمد بن بيلا وأحمد سيكوتوري، و(تفاوه بليوه) وموديبوكيتا، وكوامي نكروما الذي يقف اليوم تمثاله البرونزي أمام قاعة أفريقيا في مبنى (الإتحاد الأفريقي) الذي قامت بتشييده جمهورية الصّين الشعبية هدية للدول الأفريقية. كان (نكروما) داعية وحدة أفريقيا وتصنيع أفريقيا. كلمة (نكروما) تعني الفذّ الفريد الوحيد. كان الزعيم الغاني كوامي نكروما، والذي تزوج من سيدة مصرية (فتحيَّة)، وأنجب الصحفي جمال نكروما، كان داعية قيام (الولاياتالمتحدة الأفريقية). قال الرئيس الجزائري أحمد بن بيلا إنّ (نكروما) بقراءته الواسعة وفكره النيِّر كان قريباً من اعتناق الإسلام، لكن فكرة (الولاياتالمتحدة الأفريقية) وصفِت حينها ب (اليوتوبية) واجهِضت واستبدِلت بقيام منظمة تعمل باتجاه تحقيق الوحدة الأفريقية. وذلك ما حدث في 22/ مايو 1963م عند قيام منظمة الوحدة الأفريقية. والتي انتهت بالدول الأفريقية إلى مزيد من سيناريوهات التجزئة والتخلف والفقر والحروب الأهلية والعمالة. والتي انتهت بالدول الإفريقية إلى (ولايات إفريقية غير متحدة)!. بل انتهت إلى (ولايات أمريكية... غير متحدة)!. وما حضور جون كيري (الأبيض) في اليوبيل الخمسيني (الأسود) للإتحاد الأفريقي، إلا قطرة واحدة في ذلك البحر. بحر النفوذ الأمريكي الذي يجري في شرايين القارة. وقد جاءت الإشارة إلى تحويل مقترح (الولاياتالمتحدة الأفريقية) إلى (منظمة الوحدة الأفريقية)، في كتاب (الإمبراطور هيلا سيلاسي... الملك). والذي كتبه مؤرخ الإمبراطور الكاتب (أنجيلو دلبوكا). واقع الدّول الأفريقية اليوم بعيد جداً عن آفاق (نكروما). حيث لا وحدة بين الدول الأفريقية ولا تصنيع. ولا نمور اقتصادية أفريقية، كما برزت نمور اقتصادية آسيوية ولاتينية. اليوم بعد خمسين عاماً من تأسيس منظمة الوحدة الأفريقية (الإتحاد الأفريقي)، تشهد القارة غياب القيادات الإفريقية (الكاريزما). كما أصبحت القارة تشهد قيادات متواضعة القدرات، من الذين يرتدون في اجتماعات القمة قمصان (كاروهات)، أو من رؤساء أفارقة من سيدات بدينات بلا خصور وبلا أفكار. لذلك لا تزال يدّ المستعمر تمتدّ وتمتص وتنهب من خير الأفارقة وزاد الأفارقة ومعادنهم ونفطهم. لا تزال القارة الأفريقية اليوم ساحة سباق بين الدول الكبرى غربية وغير غربية. لا تزال الشركات الأمريكية و(3000) آلاف شركة بريطانية تنشط في دول القارة. الصّين في جشع التنيّن الأسطوري أيضاً في سباق الريادة الدولية تتحرك في كل إتجاه في أرجاء دول القارة. تركيا أنشأت (15) سفارة جديدة في أفريقيا. روسيا أعلنت بداية عودتها إلى القارة، بعد صدمة انهيار الإتحاد السوڤييتي. قبيل أن تحلّ الذكرى الخمسين لإنشاء الإتحاد الأفريقي، ضغطت أديس أبابا كثيراً على الشركات الصينية التي تعمل في تشييد شبكات الطرق الجديدة والأنفاق والكباري الطائرة وشبكات المياه الجديدة في العاصمة الأثيوبية، لكي تنجز أعمالها في الميعاد المحدَّد. وتمّ تغيير اسم (شارع بولي Boly Road)، الشارع الرئيسي القادم من مطار أديس أبابا الدولي (مطار بولي)، إلى (شارع أفريقيا). ضغطت أثيوبيا هذه المرَّة على الشركات الصينية لتنجز أعمالها في الموعد المرسوم، كما ضغطت أديس أبابا من قبل في عهد هيلا سيلاسي على المصمِّم المعماري الإيطالي (آرتورو ميزيز ديمي) الذي أشرف على بناء (قاعة أفريقيا) في شارع (منليك الثاني). كما ضغطت أديس أبابا حينها أيضاً على المقاول الإيطالي (ماريوبوش). كان (ماريوبوش) قد جاء إلى أثيوبيا لأول مرة في عهد الإحتلال الإيطالي في الثلاثينات وحمل معه عند عودته إلى بلاده (مسلّة أكسوم)، التي نقلها إلى العاصمة الإيطالية (روما). وقد تمكّنت أثيوبيا من استعادة تلك المسلّة في الأعوام القليلة الماضية، وأعادت خلال ثلاثة أشهر تركيبها في العاصمة في (أدراش منليك) في (أرات كيلو). السودان يمتلك كذلك (3) آلاف قطعة أثار في بريطانيا، لم يستعد منها أثراً واحداً!. يذكر أيضاً أن (ماريو بوش) هو الذي قام بتشييد مبنى البرلمان الأثيوبي في شارع (لورينزوتيازاز)، وذلك خلال خمسة أشهر. حيث قبل ساعات قليلة من احتفال قيام (منظمة الوحدة الأفريقية) في 22/ مايو 1963م نجح (ماريوبوش) في مهمته فأضاءت بناية البرلمان الأثيوبي الجديد ب (900) «لمبة» جاءت لحينها من مدينة (ميلان) الإيطالية. حينها شكره الإمبراطور الذي كان يبلغ حينها (71) عاماً باللغة الإيطالية. هيلا سيلاسي كان أيضاً يجيد الفرنسية بصورة ممتازة. تجدر الإشارة إلى أن الإمبراطور هيلاسلاسي عند ما فقد عرشه لجأ إلى السودان وأقام في (برّي) بالخرطوم ثم عاد إلى عرشه في 5/ مايو عام 1941م بقوة عسكرية من قوة دفاع السودان، كان يقودها من السودانيين الضابط عبد الله خليل (رئيس الوزراء لاحقاً) الذي كان حينها برتبة مقدَّم. وتحرَّكت القوة العسكرية من الروصيرص إلى مدينة (أصوصا) الأثيوبية ثمَّ إلى أديس أبابا، ليجلس هيلاسلاسي على عرشه مرة أخرى. هيلاسلاسي اسمه (تيفري ماكونين). بعد عقودٍ من سقوط الإمبراطور، أخيراً عاد إبن هيلاسلاسي إلى وطنه واشترى فندق (قيون) الشهير في العاصمة الأثيوبية.