في نهاية عام 1992م كنت بصدد شراء خروف للضَّيافة، فاقترح عليّ الصديق العزيز الأمين الهندي (مستشار والي الجزيرة) شراء الخروف من مزرعة (الآمش). كان ذلك في ڤرچينيا. توجد في ولاية ڤرچينيا (59) مقاطعة .County كنت أسكن في (الإسكندرية). مقاطعات ولاية ڤرچينيا الأخرى هي (آرلنجتون) حيث المقبرة الوطنية و(فولس شيرش) و(فيرفاكس) و(شيزابيك) و(رتشموند) و(نورفولك)، وغيرها. كان الأمين الهندي أيضاً يسكن في (الإسكندرية). ركبنا عربة الأمين، وانطلقت بنا في الطريق السريع لمدة نصف ساعة، ثمَّ في مخرج ضاحية (فردريك) خرجت السيارة من الطريق السريع، وسارت حتى مستوطنة (الآمش Amish). وصلنا مزرعة (الآمش). كانت تلك المرة الأولى التي أرى فيها (الآمش). يستقبلونك بأدب ظاهر وروح صديقة ووجوه طليقة. مهذبون، محترمون، وقورون. الرجال يرتدون (أوڤرولات) كحليّة والفتيات يرتدين أزياء طويلة فضفاضة محتشمة جداً وأكمامًا طويلة مع تغطية الرؤوس. يحرِّم (الآمش) على الفتيات قصّ الشعر. الأولاد يتحدثون مع آبائهم في أدب جمّ وإكبار واحترام. الرجال في مكان العمل. النساء أقرب إلى البيوت. (الآمش) لا يستخدمون الأسمدة في طعام حيواناتهم ضأن أو دجاج، أو غيرها. ولا يتناولون طعاماً استخدِمت الأسمدة في زراعته، ولا لحوم طيور أو حيوانات استعملت الأسمدة في تغذيتها. الرجال يطلقون اللحى ولا يحلقونها، والفتيات وديعات غضيضات الطرف في سكون الرَّاهبات. لا توجد سيارة أو هاتف في مستوطنة (الآمش)، ولا تلفزيون ولا راديو ولا آلة موسيقية، ولا كهرباء. يعيش (الآمش) خارج العصر الصَّناعي، حياة زاهدة عفيفة متقشفة، يحرِّمون الموسيقى والمعازف، ولا يؤمنون بالكهرباء والتأمين حيث يرون كل شيء قضاء وقدر. كما يحرِّم (الآمِش) ركوب السيارات وقيادتها. ويركبون الخيول والعربات التي تجرُّها الخيول (الحنطور)، ولا يستخدمون الهاتف، ثابت أو موبايل. (الآمش Amish) طائفة دينية مسيحية تعيش في أمريكا الشمالية، موزعة بين أمريكا وكندا. يبلغ عدد الآمش (249) ألف، يعيشون في (22) مستوطنة في أمريكا وولاية (أونتاريو) في كندا. (الآمش) طائفة مسيحية تجديدية. عند انبثاق حركات الإصلاح الديني المسيحية، كان من ضمنها طائفة المسيحيين الجدد (آنابابتيست). يُعتبر (الآمش) جزءاً منها. قوبلت حركة (آنابابتيست) بالتكفير من الكاثوليك والبروتستانت وحكموا على أتباعها بالإعدام فهربوا إلى أمريكا حيث هاجروا من مواطنهم، في سويسرا وإقليم الألزاس الفرنسي وجبال جنوبألمانيا، أمام ذلك الإضطهاد الدّيني والإعدامات فرّت الجماعات المسيحية التجديدية ب(دينها) إلى أمريكا الشمالية. وفي 1693م أسس المسيحي السويسري (جاكوب أمان) طائفة (الآمش) التي أعلنت استقلالها عن غيرها من الحركات الإصلاحية التجديدية. ولكن منذ ميلاد الآمش أصدر الكاثوليك والبروتستانت الفتاوي بتكفيرهم ولاحقوهم بالقمع والتنكيل والقتل، في كل مكان كل زمان!. فلاذ (الآمش) بالهرب ظاعنين في آفاق أمريكا، وتحديداً ولاية (نيسلڤانيا). في الفضاء الأمريكي الرَّحب والمساحات الشاسعة بدأ (الآمش) حياتهم الجديدة في الأراضي الجديدة، و(ما بدلوا تبديلاً)!. حيث عاشوا حياتهم كما هي، وكما يؤمنون. حيث (الآمش) طائفة لا تؤمن بالتغيير. بل تؤمن بالإلتزام بالعيش حرفياً كما ورد في الإنجيل الذي بين يديهم والذي يطبِّقونه بحذافيره. لدى (الآمِش) مجلس (فتوى) اسمه (أولد أوردرOld Order) وهم مجموعة من كبار السن المتديّنين (مشايخ) يدرسون الحالات الجديدة ويصدرون فتواهم وفقاً لما يرونه مطابقاً لتعاليم الإنجيل. يحرِّم (الآمِش). ركوب السيارة. ولكن هناك (فتوى) سمحت ل (الآمِشي) بجواز ركوب السيارة للضرورة، على ألاّ يسوقها. تحرّم طائفة (الآمش) التعليم في المدارس الحكومية والخاصة (العلمانية). يحرّم (الآمش) التصوير، سواءً فوتغرافي أم غير فوتغرافي. حتى (بنت أم لعاب) أو لعبة (باربي) للبنات الصغيرة، يمحون عنها صورة الوجه. (الآمش) أطهار لا يشربون الخمر ولا يقربون نجسها. عفيفون يحرّمون الجنس قبل الزواج ولا يقربون الزنا ويرونه فاحشة وساء سبيلاً. (الآمشي) الذي يخرج عن منهج حياة (الآمش) ويتمرّد على طريقتهم في الحياة، يهجرونه ويحرّمون على الآمشيين التعامل معه، حتى زوجته يحرم عليها أن تقربه أو تكلمه. بينما الآمش يحرمون قيادة وركوب السيارة للرجال والنساء، إلَّا أن (الآمش) من غير ولاية (بنسلڤانيا)، أصبحوا في فسحة من أمرهم. حيث صار (يرخِّصون) ويسمحون للمرأة بقيادة السيارة، إذا كانت معها نساء أو عدد من الكبار، أي معها رفقة مأمونة!. المرأة تلبس غطاء الرأس الأبيض إذا كانت متزوجة. وتلبس غطاء الرأس الأسود إذا كانت غير متزوّجة. طائفة (الآمش) واحدة من ستمائة جماعة دينية في أمريكا. (الآمِش) في نظر أنفسهم، يرون أنهم قد هاجروا إلى الله، هربًا من خطايا الحضارة المادية العلمانية!، هرباً من شهوة المال ولذّة الجنس وشهوة الشهرة واغراءات الدنيا، هربًا من جنات الخطايا!. كان الشاعر المفكر محمد إقبال قد كتب عن تجربته الروحية في العيش وسط الحياة المادية الغربية في بريطانيا. قال إقبال عن نفسه (مرَّت بجنات الخطايا وانثنت عنها ثنِيَّا). وذلك ما فعله ويفعله الآمش، حيث ذهبوا في الإنثناء عن جنات الخطايا إلى أبعد الحدود!.