أهل الخرطوم القديمة وتجارها وموظفوها المداومون على الصلاة بالجامع الكبير لا يزالون يذكرون المؤذن حسين اليماني.. بل كل أهل السودان يأتيهم صوته عبر إذاعة أم درمان عندما يحين وقت الصلاة. وللشيخ حسين اليماني تجربة صغيرة في العمل التجاري ولكنه أحب أن يكون مؤذناً وتنقل في مساجد أم درمان ليستقر أخيراً بالجامع الكبير حتى وفاته في منتصف العام (1992م).. ويقول ابنه كمال الدين إن والده وفقاًَ لوثائق وزارة الداخلية السودانية دخل السودان في العام (1927م) من المتوكلية العربية اليمنية (المملكة اليمنية) وينتمي إلى قبيلة بكيل، ومن منطقة زمار.. وأغلب أهل هذه المنطقة (زمار) هاجروا إلى السودان. البداية يبين كمال الدين أن والده عمل في البداية مؤذناً بجامع مرفعين الفقراء بالعباسية بأم درمان ثم انتقل مؤذناً بجامع السيد عبد الرحمن بود نوباوي لفترة قصيرة حيث إنه لم يستطع التعايش مع الأنصار، ثم ذهب إلى مدينة ود مدني بولاية الجزيرة، ثم عاد ليعمل مؤذناً بجامع حسن مدثر الحجاز بسوق الشجرة، ثم انتقل للعمل خفيراً بالقصر الجمهوري أيام الإنجليز.. ويقول كمال الدين إنه في العام (1955م) عمل مؤذناً بجامع الخرطوم الكبير، واستمر يؤذن للصلوات الخمس بهذا الجامع لمدة (40) سنة متتالية، وكان عندما يؤذن يتوقف فنغراف قهوة الزئبق الشهيرة وقتها بالسوق العربي بالخرطوم، وكانت تقع في مواجهة الجامع الكبير، بل يتوقف البار الملحق بها عن تقديم المشروبات. زواجه ويوضح كمال الدين أن والده الشيخ حسين اليماني هاجر كغيره من أبناء منطقة الزمار إلى السودان من أجل العمل وكسب العيش، وكان في اليمن يعمل مزارعاً حيث إن تعليمه لم يتعد الخلوة.. وبعد هجرته إلى السودان في العام 1927م، لم يذهب إلى اليمن إلا مرة واحدة. وتزوج الشيخ حسين اليماني من مريم بنت اليوزباشا علي صالح وهو سوداني من مواطني حي الضباط بأم درمان وأنجب منها (5) أبناء ثلاثة منهم الآن يملكون الجنسية السودانية واليمنية والاثنان الآخران يملكان الجنسية السودانية فقط. علاقاته وبما أن الجامع الكبير كان واجهة لكل السفراء العرب والوزراء السودانيين أتاح له ذلك أن ينشيئ علاقات طيبة معهم. ويقول كمال الدين إن والده وظّف تلك العلاقة لخدمة أبناء بلده اليمن حيث كان له الفضل في دخول أكثر من (60%) من اليمنيين في مطلع الستينات إلى السودان كما له دوره الكبير في التحاق الكثير من أبناء اليمن بالجامعات السودانية. ويشير كمال الدين إلى أن والده كان مولعاً بالرئيس المصري الراحل عبد الناصر.. وأبلغ السفير المصري الذي كان يداوم على الصلاة بالمسجد بذلك، فأرسل له الرئيس عبد الناصر ساعة يد ثمينة هدية، كما كانت له علاقات جيدة مع السفيرين السعودي والكويتي بالخرطوم. ويشير كمال الدين إلى أن والده له تسجيل صوتي للأذان بالإذاعة، كان يُبث أيام نميري إلا أن هذا التسجيل اختفى ولم يعد يُبث الآن. ويترحَّم كمال على روح والده وقال إنه انتقل الى جوار ربه في منتصف العام (1992م) بعد عمر ناهز المائة عام قضى منها (40) عاماً مؤذناً في بيوت الله ولم يأخذه عائد العمل التجاري الذي كان يُشتهر به اليمنيون بالسودان بعيداًَ عن العمل في بيوت الله..