من الحكمة بمكان أن تأتي دورة الانعقاد السابعة لمجلس شورى المؤتمر الوطني في هذا التوقيت الذي تمر به البلاد حتى يراجع الحزب الحاكم ممارساته وأداء أجهزته في المؤسسات السياسية والتنفيذية والتشريعية ويتلمس الأعضاء والشعب السوداني أثر الشورى في ترشيد الأداء العام. وقد احتشد جدول الأعمال الذي جاء مضغوطاً إلى حدٍ كبير بجملة من الملفات والتقارير لكن الجند المهم وحظي باهتمام كبير هو تعديلات النظام الأساسي ولائحة تكوين أجهزة الحزب، حيث كان رئيس الجمهورية ورئيس المؤتمر الوطني المشير عمر البشير الأكثر شمولاً في خطابه الذي جاء هذه المرة أكثر هدوءًا وهو يتحدث عن ما تتعرض له بلادنا من أطماع خارجية واستهداف من بعض الدول التي تضع الأشواك عن طريق الاستقرار والنهضة، وقد تابع الجميع حديث السيد الرئيس في الجلسة الافتتاحية والذي كان متسقاً تماماً مع مجريات الأحداث وجدول أعمال المجلس، غير أن رئيس مجلس الشورى أبو علي مجذوب على يبدو أن أوراق اللعب قد اختلطت عليه ونسي أنه رجلٌ ظل في نظر الكثيرين الشيخ الوقور والرجل المتزن وهي صفات ربما هي كانت المعايير الأساسية التي ألبسته رداء الشورى القومية، وما تعنيه القومية من معانٍ وصفات، بجانب أن الملفات المطروحة كانت تحتم أن يكمل (أبو علي) ما قدمه الدكتور محمد بشير عبد الهادي من عرض حول أجندة الدورة السادسة ووقائع الاجتماع السابق وما ينتظر الدورة الجديدة، كان المأمول أن يكمل السيد رئيس الشورى بتفسيرات وتوضيحات ومؤشرات تسد الفراغات التي تركها التقرير أو القضايا والموضوعات المستجدة ولم يتضمنها التقرير. لكن واضح أن أبو علي جاء مشحوناً ومسيطرة عليه قضايا النزاع والخلاف داخل بيت الشرق ولم يستطع أن ينفك أو يتحاشى قضايا الخلاف مع والي البحر الأحمر محمد طاهر إيلا حول طوكر أو سنكات، أبو علي لم ينطق بذلك بصريح العبارة لكن تمظهرات الخلاف قد استبانت من خلال حديثه السالب عن قضايا يتفق الناس أو يختلفون في تقديراتهم حولها وهو يتحدث عن المهرجانات السياحية ومهرجانات الغناء التي لا طائل منها، وفق حديثه، بقدر ما كان الأوفق أن تصرف الأموال، التي تم تبديدها في إقامة مهرجانات السياحة والحفلات الغنائية، أن تصرف في دعم القوات المسلحة وهي تقاتل من أجل الوطن وحمايته حديث (أبو علي) يبقى مقبولاً لو تحدث عن القضايا القومية في دارفور وكردفان والنيل الأزرق وما تتعرض له تلك المناطق وضعف التنمية والخدمات فيها، وبحديث أبو علي (المنحرف) قد انحرف المؤتمر وتعليقات الناس إلى قضايا شرق السودان وبدأ الحديث عن حياة الشرق وكهرباء الشرق، واضح أن (أبو علي) حاول استغلال المنبر القومي للتحريض على (إيلا) الذي لم أكن في مقام الدفاع عنه هنا لكن كوالٍ ضمن ولاة المؤتمر الوطني فهو في نظر الكثيرين قد حقق نجاحات غير مسبوقة في تجاربه التي نفذها بجهد وموارد محلية، وإذا نظر (أبو علي) بقليل من القومية واستخدم تلسكوب الشورى لوجد أن هناك ولاة محسوبين على المؤتمر الوطني لكنهم جالسون تماماً، عبارة عن شخصيات كرتونية يحركها البعض من أبناء ولاياتهم في المركز بالريموت وليس بمقدور أحدهم الفكاك من الوصايا والسيطرة، لكن (إيلا) واضح أنه لا يشبه هؤلاء الذين أسهموا في ضمور الحزب والعمل التنفيذي، فهو رجل نشط فكرياً وبرامجياً واستطاع أن يحرك اقتصاديات وموارد ولايته وكذلك إنسانها.. كنت آمل أن يقدم السيد رئيس مجلس شورى المؤتمر الوطني خطاباً يتماهى مع أدبيات التنظيم في إدارة الشأن العام ويشرح برنامجه وخطته للمرحلة المقبلة بذات الشفافية والموضوعية التي انتهجها المؤتمر الوطني في التعامل مع قضايا البلاد ومؤتمراته المفتوحة التي يناقش خلالها السياسات الكلية بالأسلوب الذي جعل الرئيس يصف حزبه المؤتمر الوطني بأنه ليس كالاتحاد الاشتراكي كحزب مبتور وهو حزب حاكم وليس حزب حكومة تابع لها إن ذهبت فهو يذهب معها!! تركيز رئيس الجمهورية ورده على رئيس مجلس الشورى عندما هاجم القنوات الفضائية ومهرجانات السياحة والتسوق كانت خطوة واستحسنها الجميع لأنه لا يمكن أن تتعطل كل دواليب العمل ومناشط الدولة ويتفرغ الناس إلى ميادين الجهاد والحروب، هذه المهمة هناك من يقوم بها ويؤديها، رسالة المواجهة والتصدي للمتمردين والإرهابيين الذين درجوا على ترويع الآمنين ونهبهم!! مع حديث الجهاد والاستعداد لمواجهة قوى الشر لا بد من الترويح عن النفس على قول السيد الرئيس: (ساعة لربك وساعة لقلبك)، ويفهم من ظاهر الحديث وسياقه أن الإنسان يكون في ساعة من الزمان على قدر من الطاعة والتبتل والجد في العبادة والعزيمة في عمل الخير والطرق المؤدية إليه، كما أنه في لحظة من اللحظات وساعة من دورات الزمن يكون فيها أقل من ذلك يؤانس فيها أهله ويلعب مع صبيانه ويريح جسده وفكره ويستريح بشيء مما فيه لهواً مباحاً أو ترفيهًا مشروعًا، وذلك يؤديه الكثير من ما ورد في السيرة النبوية وما روي عن الصحابة رضوان الله عليهم!! هنالك بعض الملاحظات على الترتيب، وواضح أن كوادر الدورة الحالية من الشورى ليسوا بقامة (الشورى) وقد غاب الدكتور أزهري التجاني بترتيبه المعهود فقد مددتُ بصري داخل القاعة فوجدته في لحظة مراجعة خاصة وهو يتصفح بعض الرسائل على صفحات هاتفه الجوال وواضح أنه غير آبه بما يدور لكنه موجود جسدياً، المؤتمر الوطني في مسيرته لا تهزه العواصف والأعاصير وبات فيه أصغر قيادي يعطي نفسه دوراً أكبر من حجمه في محاولات تدمير أقدام وحضارات الذين سبقوه، وهذه حالة شاذة ولم يكن لها تأثير على القاعدة التي انتهجها الحزب في أن يتقلد الشباب مفاصل القيادة وتعجبني جداً أساليب القيادة الشبابية لأمانة الإعلام على رأسها الرّبان ياسر يوسف ومجموعته الذين لم يتنكروا لموروث من سبقهم فقد مضوا على نهج القدامى مصحوباً بإضافاتهم وتجديداتهم في عناصر العمل والمسار بمنهج يزاوج ما بين تجارب الشباب ومواكبتها وحرص ودقة الكبار في إدارة الملفات!!