بروفيسور حسن أبو عائشة استشاري الباطنية وأمراض الكُلى المعروف، عُرف عنه حبه للغة العربية بما فيها الشعر والأدب، فطفق ينقِّب عن العربيَّة حتى أثرى بذلك ثقافته، يعشق القراءة ويخصِّص لها أوقاتًا ومن ثم يقوم بتحليل وتدقيق لما قرأ، حتى تكون الحصيلة كتابات متنوِّعة، لديه كتاب «نحو مجتمع أفضل» يرى فيه أن المرأة ليست نصف المجتمع وإنما هي أساس المجتمع. التقته «نجوع» بمكتبه بجامعة الرباط وأدارت معه حديثًا عن الثقافة والأدب، فكانت الحصيلة التالية: حوار: هادية قاسم المهدي - تصوير: متوكل البجاوي = بروف أبو عائشة، بين بيئة الطبيب المليئة بالمباضع وبيئة الأديب التي تملؤها الأحاسيس المرهفة.. كيف اجتمعت عندك هاتان البيئتان؟ كما تعلمين فإن الطب مهنة إنسانية، وبين الإنسانية والأدب تجتمع المشاعر، ويجب على الأطباء أن تكون أحاسيسهم مرهفة وذلك من خلال الأحداث التي تمر بهم أثناء عملهم وأثناء تعاملهم مع المرضى وهذا هو المتوقع، واستغرب من الطبيب الذي لا يعرف الشعر، وليس بالضرورة أن تكتبه وإنما تجد فيه ضالتك. = وما حقيقة علاقتك بالثقافة والأدب؟ أنا لست بشاعرٍ، لكنني محب جدًا للغة العربية ولم أدرسها بطريقة نظامية، ولكن تتلمذت على أيدي بعض علماء اللغة العربية خاصة بروفيسور محمد يوسف الصباغ أستاذ اللغة العربية في جامعة الملك سعود بالمملكة العربية السعودية. = كيف كان ذلك؟ جمعتني به الدراسة وتتلمذت على يديه نحو عشرين عامًا وتعلمت منه الكثير ودرست على يديه الكثير من كتب الأدب، فضلاً عن ذلك فإنني أدين للبروفيسور عبد الله الطيب ودكتور الحبر يوسف نور الدائم اللذين حبباني في اللغة العربية. = هل لديك صداقات مع أدباء؟ لديّ صداقة مع روضة الحاج وأعتز بها كثيرًا وبعض الأدباء الآخرين خاصة في السعودية مثل غازي القصيبي وغيره من الأدباء. = كيف تقرأ واقع أجيال اليوم؟، هل ترى أن هذا الجيل مثقف؟، وإلى ماذا نحتاج حتى نصبح أمة مثقفة؟ إذا ما أخذنا الثقافة بمعنى المعرفة العامة أعتقد أنه جيل مثقف بسبب توفر وسائط الإعلام المختلفة. إلا أن هنالك مشكلة كبيرة تواجه الشباب وهي معرفة أولويات اللغة والتي يوجد بها ضعف شديد. = ما هو السبب؟ الخلل نجده في مناهج اللغة العربية والتي تحتاج بدورها إلى مراجعة، فقد كان هنالك اهتمام كبير في السابق باللغة العربية والأدب العربي إلا أنه اليوم تناقص. لكن نجد أن طلاب اليوم علاقتهم بالقرآن جيدة، بل إن من محاسن الشهادات العربية نجد أن حملة الشهادة العربية السعودية لديهم علاقة جيدة بالقرآن الكريم لدرجة يتفوقون فيها على حملة الشهادة السودانية. ويرجع الأمر إلى طبيعة الدراسة بالسعودية والتي تعمل على تحسين علاقة الطالب بالقرآن الكريم. = نفتخر ونباهي بأننا نتحدث بالإنجليزية ومنا من يتسابق لإضافة لغات أخرى، إلى أي مدى يؤثر ذلك على العربية؟ هذا لا يشكل خطرًا لأن اللغة العربية إنما هي لغة القرآن وهي محفوظة وربنا سبحانه وتعالى تكفل بحفظها شئنا أم أبينا. فإذا كان هنالك نقص فيكون علينا، فإجادة الإنجليزية لا تنتقص من العربية، فبروفيسور عبد الله الطيب كان علماً في العربية وعلمًا في الإنجليزية، بل مكَّنته إنجليزيته تلك من الإلمام بثقافة ومعرفة الآخر، بل أدعو الناس لتحسين اللغات الأخرى مثل اللغة التركية، فتركيا دولة مسلمة ولنا معهم علاقات، وكذا اللغة السواحلية التي تربطنا بشرق إفريقيا والتي لنا معهم تراث. =حسب علمي أنك كثير التسفار، هل يكون الكتاب أنيسًا لك؟ أنتهز فرصة السفر ليكون الكتاب أنيسي، فأنا أحب القراءة، وكثيراً ما أطّلع على كتب الأدب، وتعجبني كتابات الطيب صالح، ومن أنفس الكتب عندي مذكرات الطيب صالح، فالطبعة الأولى منها كانت جيدة وهي طبعة مدبولي إلا أن الثانية أعتقد أن بها قصورًا. وكذلك أعمد إلى قراءة الكتب الحديثة في فن التعامل. = ماذا عن أدب الرحلات وموقع عنتر وعبلة الذي زرته؟ قمت بزيارة لموقع عنتر وعبلة، ومن ثم ألّفت على ضوئها كتابًا سمّيته «رحلة إلى ديار عبلة» والكتاب حاليًا تحت الطبع. وقد أخذت جولة في السعودية بدأتها بمدينة الرياض، طفت فيها كل مدن السعودية، حيث كانت هذه الرحلات تلهمني للكتابة. = مع زحمة عملك بحكم تخصصك.. هل تجد متسعًا من الوقت للقراءة؟ أخصص جزءًا من وقتي للقراءة فكل نهاية أسبوع تكون لديَّ حصيلة للقراءة ومن ثم أسجل أفكاري وعندي كتابات لا بأس بها إلا أنها لم ترَ النور بعد. = ماذا عن مؤلفاتك ؟ لديّ كتب منها: «الرياضة الصحية للجميع» «الواضحة في تجويد الفاتحة» «دليل المتمثل وروضة المتأمل» «رحلة إلى كوكب النحو». = لماذا لم تنشرها بعد؟ لانشغالي فقط. = إلى أي مدى مهمة هي قراءة الكتب؟ بالطبع فإن القراءة مهمة جدًا وبالتأكيد فإنها تضيف للقارئ مزيدًا من المعرفة، إلا أن جيل اليوم يعتمد أكثر على الاطلاع من خلال الشبكة العنكبوتية، والنت كمرجع هو جيد إلا أنه لا يمكن أن يؤدي دور الكتاب ويعوضنا عنه، فالنت به كثير من الانصرافيات ويعتبر من هذه الناحية مضيعة للوقت سيما وأن كل الأشياء به ليست مفيدة. = هل تهتم باقتناء الكتب؟ بالطبع فأنا لديّ مكتبة خاصة ضخمة وكتبي لم أُحصها فهي كثيرة جدًا. = وكيف جمعتها؟ خلال تسفاري أحرص على شراء الكتب، وأهم شيء عندي هو زيارة المكتبات في كل بلد أذهب إليه. = كيف تنتقيها؟ تعلمت من شيوخي الأدباء أن الكتب تختلف في جودتها من طبعات وغيرها، وأنا أحرص على اقتناء الكتب بطبعاتها المختلفة، ولا أستطيع أن أستغني عن الكتاب أبدًا، وكذا هو حال غيري من المهتمين بالكتاب، وأذكر من الطرائف أن «بوخاس» الشاعر الأرجنتيني قال لي : أنا أحب أن أذهب للمكتبة ويحزنني أن أرى كتابًا ولا أستطيع شراءه، فسألته: لماذا؟ فقال لي : لأني عندي نسخة منه. = في رأيك ما هي التحديات التي تواجه اللغة العربية؟ أكبر تحدٍ يواجه اللغة العربية هو اللغة التي يتحدث بها المذيعون والمذيعات والتي تحتوي على أخطاء لغوية واضحة، بجانب الأخطاء الإملائية التي درج عليها الخطاطون من خلال كتاباتهم للوحات بعبارات خاطئة قد ترسخ في ذهن الناس. = الفوارق بين لغة الكلام ولغة الكتابة بين العربية والعامية هل تتعدى فوارق اللهجات؟ اللغة الفصحى هي لغة قريش ومن ثم أصبحت لغة سائدة، والعامية السودانية أقرب العاميات إلى الفصحى لأن معظم السودان له جذور قريبة من قريش وما حولها، فاللهجة السودانية قريبة جدًا من المفردات الفصيحة، والطيب صالح في كتاباته كان يتناول العامية السودانية تناولاً جيدًا مما أضفى بعدًا جماليًا في إبداعه، وكذا للحاردلو ديوان يتناول فيه العامية. = هل يمكن أن نقول إن بيئة الطيب صالح شكلت ثقافته؟ الكاتب الناجح هو الذي يكون قد عاش طفولته، فمرحلة الطفولة دائمًا ما تكون عالقة بالأذهان، والطيب صالح تناول في كتاباته كل مراحل الطفولة وتمكَّن من نقل بيئته بصورة جميلة، لكنه أثراها فيما بعد بالثقافة العربية الواسعة. = وأخيراً ما رأيك فيما يُكتب اليوم من إبداع، هل هو ما نتطلع إليه؟ الإبداع في السودان موجود، ويدهشني أحيانًا الشباب بإبداعاتهم، إلا أننا نعاني من أزمة نشر، سيما وأن ليس هنالك دور نشر تتبنى مشروعات الشباب الإبداعية وتطبع كتبهم طباعة جيدة. وقد يكون هنالك غثاء فيما يُكتب إلا أن ذلك لا ينفي أن السودان به قدرات فنية وإبداعية ضخمة.