يعتبر إبراهيم الصلحي من أعمدة الفن التشكيلي العربي الإفريقي الحديث وأحد رواده في العالم، لذا تحتفي أشهر متاحف الفنون العالمية بلوحاته التي زاوجت ما بين التراث والمعاصرة والبعد الجمالي والفكر الإنساني كان ميلاده في شهر سبتمبر/أيلول من عام 1930 بمدينة أم درمان، حيث أكمل مراحل تعليمه الأساسية كلها بمدارس السودان بدءاً من الخلوة، حتى كلية غردون التذكارية ومعهد الخرطوم الفني، لتستمر رحلة حياته وإبداعه بين عدة عواصم عربية ليستقر به المقام في عاصمة الضباب.ويرى الصلحي أن «استقراء التراث ما هو إلا بحث فاحص بنظرة ثاقبة يرمي إلى استقصاء القيم والخبرات الإنسانية المتراكمة عبر الزمن ويهدف أساساً إلى استنباط الجديد الذى هو من قديمها بحيث يواكب الحاضر ويفي بالحاجة الراهنة». والقارئ لمسيرة حياته يرى أنها عبرت بالكثير من المحطات، ربما يكون أكثرها أثراً عمله وكيلاً لوزارة الثقافة في السبعينات، ووضعه في ضيافة الدولة بسجن كوبر «أشهر السجون السودانية» خلال الفترة من «1975-1976» بحجة اتهامه بالاشتراك في الحركة العسكرية التي قادها «ابن عمه»حسن حسين.. وهو وفق حديثه لم يكن له أدنى علاقة بها ..«سوى أن من قادها كان ابن عمه». هذه التجربة القاسية كما قال دفعته إلى الخروج من وطنه بحثاً عن مكان يوفر له براحات إنسانية، وحقوق مصونة لا يعتدي عليها وحرية في التحرك والتعبير وكانت هجرته إلى دولة قطر «بعد خروجه من السجن ليعمل خبيراً استشارياً بوزارة الإعلام بها من سنة 1977 إلى سنة 1982م. وليتم بعد ذلك تكليفه من قبل منظمة اليونسكو ليقوم بإعادة تنظيم وزارة الإعلام بالصومال سنة 1984 ثم العودة للعمل مره أخرى بدولة قطر بدءاً بوزارة الإعلام ثم بالديوان الأميري خلال الفترة من 1986 إلى 1998 وجاء بعد ذلك تفرغه التام للعمل التشكيلي بمدينة أَوكسفورد بالمملكة المتحدة التي يقيم بها وأَسرته إلى الآن. ومن محاور جمعتنا ما بين منزله وشاطئ نهر التايمز كان سعينا في تدوين إجاباته. يقول الصلحي: «لن أنسى يوم مجيء مدير عام السجون لتفقد أحوال المعتقلين، وقد اعتاد زيارتنا مرة كل شهر، وكان علي الدور لطلب شيء من «البصل».. والبصل في المعتقل بمكانة إكسير الحياة، والشفاء من كل سأم وداء، علماً أن لا قدرة للواحد منا في ابتلاع لقمة من طعام تعافه النفس يقدم لنا بالسجن أيامها، إلا إن كانت رائحة شيء من بصل لصق الأنف..» يضيف الصلحي أنه حينما كرر مدير عام السجون قبل اختتام زيارته إن كنا نريد شيئاً؟.. صعب علي أن أطلب «بصلاً»، بدلاً عن أن أطالب بحقوق الإنسان فلكزني من سبقني في الطلب حتى قلت بصوت لم أصدق أنه خارج من حنجرتي سعادتك، نريد شيئاً من بصل ..فجيء لنا ببضع بصلات، أخذت شقة من واحدة منها وزرعتها تحت زير الماء لأرى شيئاً أخضر.. وحينما نمت أسماها رفاق المعتقل «جنينة الصلحي». أعمال الفنان إبراهيم الصلحي لصيقة بالمهد وأرض الأجداد وتنهل من التراث الفكري والروحي والبيئة التي ألفها ونهل منها وعاش فيها، والمتأمل في رؤيته الإبداعية يرى حضوراً لافتاً لشجرة «الحرازة»، وهي إحدى المميزات الطبيعية للبيئة السودانية. وعن تأثير شجرة الحرازة في أعماله يقول الصلحي «كنت أشير إلى السودان فيما سبق بلون تراب الأرض، وبلون المغر الأصفر والأحمر، ومنذ سنين مضت ركزت على فكرة شجرة الحرازة، التي يحكي أنها قد حاربت المطر، رمزاً مني لإنسان تتمثل فيه قوة الشكيمة، والإصرار على الحياة رغم فظاعة الظروف وقسوة الطبيعة والجفاف والتصحر، واستخدام بدل الداكن من ألوان التراب، ألواناً براقة تحاكي في رونقها نضارة نوار البرم، وأزاهير اللوبيا على ضفاف نهر النيل بشارة بروح الأمل». شجرة الحرازة هذه الضاربة عروقها بالأرض، والتي تتحمل مختلف التحولات المناخية وتزرع تحتها النباتات الصغيرة في موسم الجفاف ويتفيأ الناس ظلالها الوارفة اتخذها الصلحي موضوعاً لأعماله إذ يقول: «أنا اهتم كثيراً بشجرة الحرازة ولذا اتخذتها في أعمالي الراهنة رمزاً للإنسان السوداني البدوي الرعوي الأغبش، عفيف النفس، المزارع المتوكل على الله، الحاصد، الصابر،القنوع».