يظل إعتقادنا قائماً و قوياً بأن الذي يتحرى الكذب، ولا يتردد دائماً عندما يجد مساربه ويكون ماهراً في أساليبه، بأن يكتب عند الله كذاباً، ولا يفترى الكذب إلا غير المؤمنين. والكذابون في مجال السياسة، أصبحوا في زماننا هذا أكثر من ذرات الريح العاصف، ولا يتجمعون إلا كما يتجمع الذباب، فهم قليلون عند الفزع، و كثيرون عند الطمع. والكذب عندما يكون في المجال السياسي، يسد على البسطاء الأفق، ويغري أصحاب النفوس المريضة الذين لا يرون في الجمال إلا قبحاً، ولا في الدمامة إلا جمالاً. ويحضرني مثالٌ ضربه المرحوم جعفر نميري على حركة «76» بقوله إن الهجوم الذي داهمت به قوات الجبهة الوطنية السودان يومذاك، لم يتم إلا من قبل مرتزقة، بينما هم ليسوا كذلك، كما أطلق نميري على بعض القيادات السياسية مسميات، بمثل الكاذب الضليل ومبعوث العناية الإلهية غير أن الذي تفضل به المرحوم جعفر نميري، لم يكن في محله بالرغم من فشل حركة يوليو «76» وتصديق الشعب بما فاضت به أجهزة إعلام نميري من معلومات عن الحركة و قياداتها و تمويلها، و إذا كنا على درجة من الإنصاف، فلا ينبغي أن نصف جعفر نميري بأنه كان كذاباً، لكنه كان محقاً للحقيقة خاصة عندما ضرب للشعب السوداني مثالاً بأن أي نظام وطني، سواء أكان عسكرياً أم مدنياً فهناك إستحالة لإسقاطه عن طريق دعم خارجي أو تمويل أجنبي. و المعارضة الحالية، فيما يبدو أنها قد استوعبت حجمها، وتعرفت على قدرتها، عندما ادعت بأنها ليست مع إسقاط النظام عن طريق القوة والعنف، لكن رموز تلك المعارضة لا يخفون تعويلهم على مجموعات مسلحة ينتظرون منها اجتياح المدن، ونشر الذعر فيلتقي هنا لسان الكذب بإسقاط النظام سلمياً، مع مؤامرة العمل المسلح التي وقع معها كذابو التحالف لما يسمى قوى الإجماع عقداً يقوم على أسس إستراتيجية، مما يثبت بأن السلم ليس أسلوباً لا لهؤلاء ولا لأولئك الذين و لغوا عمداً و بسبق الإصرار في دماء الأبرياء. وكما يقولون، بأن حبل الكذب قصيرٌ جداً فكانت الكذبة الكبرى التي ملأ بها الصحافيون صفحات صحفهم بأن المعارضة قد أعدت العدة للانقضاض على النظام والقضاء عليه في ظرف مائة يوم وذلك عن طريق الاعتصامات والمظاهرات والندوات الجماهيرية، فإذا بالسيد الصادق المهدي الذي هو الجزء الأكبر من تحالفهم المهترئ الذي يخالف بعضه بعضاً، ويشاكس موقفه تصريحٌ من هنا وآخر عكسه من هناك، يعلن على رؤوس الأشهاد في جمع غفيرٍ من أنصاره الذين هبوا إليه من جميع ولايات السودان، بأنه ليس مع العنف، فأثبت ما كان قد نفاه ونفى ما أثبته. وهنا علينا أن نصدق أو لا نصدق بأنَّ ما يسمى تحالف قوى الإجماع المسماة وطنية قد وعدت الجماهير بأنها جمل سيلد ناقة، ولكن ما أثبته السيد الصادق عنهم بأنها كذبة تفوق كذبة أبريل، بأن الجمل قد تمخض فلم يلد حتى ولو كان الجنين فأراً، مما يدل بأنَّ المعارضة تتحرى الكذب ولا تكذب إلا كذباً كُبّاراً. و لنا أن نتصور شكل المعارضة التي تعد نفسها لتكون بديلاً، كيف أنها خيبت ظن الجماهير وهي معارضة، وكم ستكون خيبتها عندما تتولى الحكم بمثل هذا النسيج الذي يشكله الكذَّابون من كل طيف وجنسٍ ولون. كما كم تكون الخسارة والفضيحة عندما يلتقي شركاء لا يثق أحدهم في الآخر، بمثل الذي يعطي شريكه شيكاً وهو يعلم كما يعلم الشريك الآخر بأن مصير الشيك سيكون هو الارتداد دون رصيد. ولقد سمعنا بالشراكات الذكية، ولكن لم نسمع في تاريخ التطور السياسي والوعي اللذين ضربا المجتمع المعاصر، أن هناك شراكة يكون عقدها بناءً على كذب صريح وبطلان مطلق، ويعلم أطرافه منذ الوهلة الأولى بأنه يقوم على النوايا السيئة ظاهراً وباطناً، ويحيط به الإفك والكذب من بنده الأول الذي بدأ به وحتى بنده الأخير، بما في ذلك التوقيع الذي سودت به الصفحات. إنها بالفعل معارضة الكذّابين على أنفسهم الذين فضحوا أمرهم قبل أن تفوح فضيحتهم للجماهير، وهي فضيحة كفيلة بأن تزكم جميع الأنوف، ونسأل الله الستر والعافية ونعوذ بالله من كل كذَّاب أشر، ومن كل أفاك أثيم.