قبل أن يطلق عليها أهلها لقب المدينة المنسية في الخارطة الاتحادية والولائية من حيث الخدمات والتنمية نعتها ذلك الخواجة أو الحاكم العام آنذاك في سودري بالمدينة (الجافة) تلك هي محلية سودري التي تعتبر الآن من أكبر محليات شمال كردفان من حيث الجغرافيا تقع في أقصى شمال الولاية تحدها غرباً شمال دارفور وجنوباً محليتا النهود وود بندة، وشمالاً الحدود الليبية، وشرقاً محلية جبرة الشيخ تضم ثلاث إداريات هي سودري، أم بادر، حمرة الشيخ. وتتمتع محلية سودري بثروة حيوانية ضخمة أشهرها الضأن الكباشي بنسبة تفوق ال 25% من إجمالي إنتاج الولاية، كما أن منطقة أم خروع بالمحلية اشتهرت بتربية الإبل وبكميات كبيرة فضلاً عن نعمة الذهب الذي اكتشف بكميات كبيرة بالمحلية وفوق كل ذلك فهي حاضنة قبائل الكبابيش والجبال البحرية والكواهلة ،وهي قبائل ذات جذور وعمق ودور في التاريخ السياسي والاقتصادي والاجتماعي على المستوى العام تتعايش فيما بينها بأفضل ما يكون ولكن لكل قبيلة عاداتها وسلوكياتها وأنماط حياتها.. ولكن رغم ثراء هذه المنطقة إلا أن المحلية حالها لا يسرّ فالخدمات فيها تتردى بشكلٍ مخيف ومقلق للمواطنين، خصوصًا من ناحية التعليم والصحة والكهرباء والمياه، والأخيرة كانت سببًا مباشرًا في احتقانات واحتجاجات المواطنين قبل عدة أسابيع ماضية بعد أن بلغت الأزمة مداها وفشلت المنظومة السياسية والتنفيذية بالمحلية في أن تأتي بالمعالجات اللازمة. محاولة لرسم الواقع! (الإنتباهة) حاولت أن ترسم صورة واقعية لطبيعة المشهد ولمجمل ما يجري هناك خصوصًا في الجانب الذي يلي المواطن ويؤثر في حياته وحراكه العام فحرصت الصحيفة على أن تكون البداية من حيث واقع التعليم، مكاسبه وإخفاقاته كما أن للصورة جوانب أخرى تتعلق بالمنظومة السياسية والقبلية التي تؤثر وتتأثر بكل ما يحتمله المشهد من تعقيدات وتداعيات بمحلية سودري.. عددٌ من المعلمين والمواطنين الذين التقيتهم اقترحوا عليّ أن أؤجل زيارتي للمدارس إلى حين بداية الدراسة فيها حتى أنقل صورة موثقة حول واقع الطلاب وكيف أنهم يتلقون دروسهم في مدارس ربما لا تتوفر فيها أدنى معايير العملية التعليمية ولكني أقنعت هؤلاء بأن زيارتي إلى هذه المنطقة محدودة الأيام. وبداية وقفت (الإنتباهة) على واقع المدارس ورسمت صورة واقعية من هناك خصوصًا أن العام الدراسي على المستوى الرسمي تم الإعلان عن انطلاقته في معظم ولايات السودان.. وفي إفادات تاريخية أبلغ الصحيفة الأستاذ التربوي الرضي أحمد الفاضل المدير السابق للتعليم بالمحلية مشيرًا إلى أن التعليم بمحلية سودري الكبرى بدأ بمدرسة الرحل التي كان يديرها المعلم الوحيد بالمنطقة آنذاك حسن نجيلة في أواخر العشرينيات فيما تأسست أول مدرسة نظامية أولية بسودري عام 1938م وكان يدرس بها أبناء الكبابيش والجبال البحرية والكواهلة والمجانين وذلك لوجود الداخلية بها دون أي مشكلات مع قلة من بنات سودري وأكثرهن من بنات التجار القادمين من الشمالية وبعد ذلك انتشر التعليم بالمدارس الصغرى ذات الثلاثة فصول في كل من (تنة) وعديد راحة وحمرة الشيخ ثم تم ترفيع هذه المدارس الصغرى لمدارس أولية في عهد الرئيس نميري في العام 1972 وحسب الإحصاءات الخاصة تبلغ المدارس الآن 138 مدرسة منها 69 للرحل و69 للأساس كما افتتحت أول مدرسة ثانوية صناعية في العام 1992ولكن فيما بعد تم تحويلها إلى مدرسة أكاديمية ثانوية والآن توجد بالمحلية 7 مدارس ثانوية 2 بنين وبنات في سودري و2 بحمرة الشيخ وواحدة بأم بادر وأخرى بمنطقة تنة. الجلوس على الحجارة! وقال الأستاذ الرضي إن من المشكلات والغرائب أنه لا يوجد بالمدارس الثانوية مساق علمي وذلك لعدم وجود المعلمين المتخصصين وعدم وجود المعامل ولا عزاء للطلاب الطموحين الذين ترتقي رغباتهم للالتحاق بالمجالات العلمية. ومن الأزمات الحقيقية أنه لا يوجد إجلاس في كل هذه المدارس على مستوى مدارس الأساس والثانوي حيث يفترش التلاميذ الأرض وشبابيك الفصول والحجارة و(البنابر) وطوب البلك والغريب أن أكثر مدرسة تعاني من هذه المشكلات ملاصقة تمامًا لرئاسة شرطة المحلية وتقع بالقرب من رئاسة المحلية وفي كثير من الأحيان أن التلاميذ يتلقون دروسهم تحت الأشجار. ويقول الأستاذ الرضي في إفاداته ل (الإنتباهة) إن من الإيجابيات والمبادرات الجيدة أن منظمة (cdf) التي تعمل في إطار شراكة ذكية مع المجتمع والمحلية قامت ببناء 17 مدرسة بالمواد الثابتة وتسويرها إلا أن التعليم في مرحلة الأساس يحتاج إلى نظام الداخليات حتى تتاح الفرصة لأبناء الفقراء لمواصلة تعليمهم وإلا فإن الجهل سوف تتسع قاعدته، وتزداد نسبة الفاقد التربوي خصوصًا أن ظهور نشاط التعدين الأهلي بالمنطقة أدى إلى تسرب أعداد كبيرة من التلاميذ واتجاههم للتعدين لمساعدة أسرهم في توفير معايشهم. وفي الشأن ذاته أضاف الأستاذ أمبدة عجبنا مدير مدرسة سودري الثانوية للبنات أن البنيات التحتية للتعليم بسودري غير موجودة والمدارس غير مؤهلة والمعلمات ليس لديهن (ميز) للسكن وأن معظم الطلاب يدرسون المساق الأدبي لسبب عدم توفر معلمين مختصين وعدم وجود معامل علمية، ويعتقد الأستاذ أمبدة أن المدارس الموجودة الآن بالمحلية كافية إلا أن هذه المدارس تحتاج إلى إضافات وتوسعة بإضافة فصول جديدة؛ لأن الفصل الواحد يسع الآن أكثر من 70 طالبًا. غياب تام للمحلية! وفي مدرسة الإمام مالك للأساس بنين تحدّث مديرها الأستاذ موسى نسري زيدون بأسى وحزن على واقع مدرسته التي لم تبادر المحلية بدعمها أو مساعدتها رغم أن هذه المحلية تعتبر من المحليات الغنيّة من حيث الإيرادات بحكم النشاط التعديني المكثف الموجود بها. والمدرسة رغم تاريخها وعراقتها فهي بلا سور وبلا خفراء وبلا إجلاس والطلاب لم يحلموا بمراوح لأن الكهرباء ليست موجودة في قاموس هذه المدارس وذكر الأستاذ موسى في حديثه ل (الإنتباهة) أن مدارس سودري تعاني من تسرب الطلاب لممارسة التعدين، مشيرًا إلى أن عدد الطلاب في بداية العام الماضي بهذه المدرسة كان 530 طالبًا ولكنه تقلص في نهاية العام إلى 470 طالبًا بسبب التعدين. أما الأستاذة الشفاء أحمد إبراهيم مديرة مدرسة الخنساء بنات فقالت ل (الإنتباهة) إن لديها أربعة من جملة 7 فصول منهارة تمامًا، وهناك فصل آخر يدرس طلابه تحت الشجرة الموجودة داخل المدرسة في الصيف والخريف والشتاء، والمدرسة هي أيضًا بلا حمامات وبلا سور رغم أنها مدرسة للبنات وأبدت الأستاذة حزنها على واقع المدرسة وللمحاولات العديدة للإصلاح التي باءت بالفشل، وقالت إن المدرسة الآن وضعها سيء للغاية وإن المعلمين ليس لديهم مكاتب أما الاجلاس فحدِّث ولا حرج. محاولات تحسين الصورة! وحتى نتعرَّف على رؤية الجهات الرسمية والمعنية بشأن التعليم بهذه المحلية التقينا الأستاذ ضحوي قدال ناصر نائب رئيس المؤتمر الوطني ومدير التعليم بمحلية سودري فقال: أولاً نشكر (الإنتباهة) لتفقدها لأحوال الناس هنا في هذه المحلية المنسية، وقال نحن في المؤتمر الوطني اجتهدنا كثيرًا لتقديم الخدمات للمواطنين في مجال التعليم والصحة والمياه، ففي مجال التعليم نعتقد أن هناك توسعًا كبيرًا جدًا فبدلاً من 7 مدارس إبتدائية الآن توجد 157 مدرسة رحل وأساس على مستوى المحلية وبدلاً من 3 مدارس متوسطة الآن 7 مدارس ثانوية، ومدارس الأساس 52 مدرسة، و86 مدرسة رحل ومجتمع وهذه المدارس منتشرة في أنحاء المحلية كافة، وهذا الانتشار الواسع قد لا يمكِّن الدولة من أن تفي بحاجة هذه المدارس خصوصًا بالنسبة لأعداد المعلمين، ولذلك نستعين بالمتعاونين الذين نشرف عليهم تدريبًا وتوجيهًا، ونعتقد أن بمدارس الأساس كفاءات عالية وذوي خبرات، وهذا جعل المحلية تمضي في اتجاه التحسّن في مجال التعليم، صحيح أن المحلية قبل خمس سنوات كانت (الطيش) على مستوى محليات الولاية ولكن وضعها الآن تحسّن إلى المركز السابع العام الماضي. وذكر الأستاذ ضحوي ل (الإنتباهة) أن مدارس الأساس تقريبًا كلها مبنية ما عدا مدارس الرحل ونطمح الآن لأن يكون هناك تجميع لمدارس الرحل وبداخلياتها حتى لا يكون هناك تسرّب أو فاقد تربوي. وفي منطقة حفرة غرب سودري غاية ما يتمنّاه المواطنون هناك أن تجود عليهم المحلية بمدرسة أخرى للأساس بنات؛ لأن مدرستهم الوحيدة ذات الألف طالب مختلطة وتحتاج لكثير من البنيات والمعينات هكذا تحدَّث رئيس اللجنة الشعبية بالمنطقة الهادي موسى علي.. وفي (تنة) يتعاظم دور الجهد الشعبي وبالأخص من أبناء المنطقة في مناطق الذهب فهم الذين ضخوا أموالهم من أجل بناء مؤسساتهم الخدمية من صحة وتعليم حيث لا وجود للمحلية هنا لمساعدة المواطنين في معالجة مشكلاتهم الخدمية هذا ما تحدَّث به الأستاذ محمد موسى إبراهيم رئيس اللجنة الشعبية (وللحكاية بقية).