بعد أن سبحنا في سماوات نوادي ومطاعم المدينة فإننا في هذه الحلقة سوف نلقي الضوء على الأهالي الذين يقطنون المدينة، والمدينة تتكون من نسيج اجتماعي فريد من نوعه يتميز بالترابط الذي قل أن تجده في أي مدينة أخرى وهذه من المحامد التي تشتهر بها أم المدائن ومن هؤلاء آل البوشي وعساكر والسناهير وآل أبو عيسى والنضيراب وآل الخواض وأبو سنون وجريس والبصيلية والدناقلة والشايقية وآل سقدي وآل الشامي وآل شدو والليثي والأشراف... إلخ. ولكل هذه الطوائف تتداخل مع بعضها البعض في الأفراح والأتراح ويخيل إليك أن أهل هذا البلد من جلدة وجنس واحد وكأنهم بنيان مرصوص، وكذلك في المناسبات القومية والدينية فتجد أن أهل هذه المدينة لهم طقوسهم الخاصة بهم من خلال إقامة الاحتفالات القومية بمناسبة أعياد الاستقلال وخلافه وكذلك خلال الأعياد الدينية مثل عيد الأضحى والفطر. وقد تداخل أهل المدينة في بعضهم البعض من خلال النسب حيث القبائل التي ذكرتها في مقدمة الحلقة قد تزاوجوا من بعضهم البعض حتى صاروا أسرة واحدة مما خلق ترابطًا أسريًا قربهم أكثر لبعضهم البعض. والمدينة تختلف عن باقي المدن السودانية في أنها تجذب إليها كل من أتى إليها سواء موظف أو طالب للعمل فيطيب له المقام ويتخذها مدينة ومأوى له والشواهد على ذلك كثيرة ومتنوعة من خلال موظفي وزارة الري ومشروع الجزيرة وباقي الوزارات الحكومية الأخرى. وهذا كله دلالة واضحة على صحة ما ذكرته آنفاً بأن النسيج الاجتماعي لهذه المدينة هو نسيج فريد لا شبه له في باقي المدن السودانية ولكل من أتى إلى هذه البلدة الطيب أهلها فقد هيأ له رب العزة السكن المريح والمعيشة السهلة وخلق ترابطًا اجتماعيًا مع بقية أفراد مجتمع المدينة. إن التسامح الذي تشتهر به هذه المدينة هو مضرب الأمثال لبقية المدن الأخرى. حيث إن هنالك طوائف أخرى متعددة تعيش جنباً إلى جنب مع أهالي هذه المدينة في حب ووئام وانسجام تامين، فهنالك طائفة الأقباط والنقادة وهم يدينون بدين المسيحية، فتجد أن المسلمين يذهبون إليهم في مناسباتهم الدينية والاجتماعية، وبنفس القدر فإنهم يأتون إلى المسلمين بل إن بعضهم يقوم برفع يده بالفاتحة على أهل البلد مما أوجد محبة قوية بينهم وترابطًا لا تجده في باقي المدن السودانية. ومن المفارقات فإن والدي كان يقوم بإهداء ربع خروف الأضحية لبعض الأسر المسيحية بالمدينة فهذه دلالة واضحة وقوية على مدى الترابط والتسامح فيما بين الأهالي من الناحية الواقعية. وكم من أسرة لمسنا فيها التنازل من حقها لمصلحة أسرة أخرى وكل ذلك تحقيقاً لمدى الترابط الذي تزخر به هذه المدينة كما ذكرت في مقدمة هذه الحلقة ويمتد هذا الترابط حتى بينهم في الأسواق فنجد أن أهل السوق وهم من أبناء المدينة يتسابقون في فعل الخيرات فيما بينهم وكذلك مجاملة بعضهم البعض حتى في عملية الشراء والبيع. فعلى هذا الأساس فإن هذه المدينة قد خلقت ترابطًا اجتماعيًا قلما تجده في مدينة سودانية أخرى، وهذه نعمة من نعم الله عليها، وقد تغنى لها أحد أبنائها بذلك وهو الفنان المرحوم/ محمد مسكين حين يصدح: من أرض المحنة من قلب الجزيرة برسل سلامي وأشواقي الكتيرة، قل لي إيه أعمل معاك هل احلم وأمل في سرعة لقاك أم أسيبا مدني وأجي أسكن معاك، قل لي يا حبيب إيه أعمل معاك. فهذا هو ديدن وشعور أهل هذه البلدة الطيب أهلها وإلى أن نلتقي في حلقة أخرى عن أهم الشخصيات العامة التي أنجبتها المدينة وإلى أن نلتقي استودعكم الله الذي لا تضيع ودائعه في الحلقة القادمة.