المؤتمر الذي عقدته »الإدارة الأمريكية« بوزارة الخارجية في يوم الأربعاء الماضي كان قد خرج بعدة »أفكار« و»موجهات« من أهمها ضرورة »تحريك« إمكانات قطاع رجال المال والأعمال »السودانيين« في اتجاه »خلق« علاقات متينة مع القطاع الخاص الأمريكي من الناحية الاقتصادية... ومن الجانب الآخر التعرف على »الفرص« المتاحة في ذات قوانين الحظر الاقتصادي للاستفادة منها. ولعل الكثيرين ومنهم اقتصاديون لا يعرفون أن الحظر الاقتصادي الأمريكي على السودان لم يكن مقصوداً به حكومة الإنقاذ على وجه التحديد ولكنه ظل عرضة لقانون العقوبات الأمريكي في تواريخ متفاوتة وقديمة ولأسباب كثيرة. والعقوبات الأمريكية ضد السودان يتم تفصيلها حسب »مزاج« متخذ القرار الأمريكي وحسب الضغط الذي يمارسه اللوبي المعادي لنا. فهنالك عقوبات وفق قوانين موجودة أصلاً عند الأمريكان منها قانون الدول الراعية للإرهاب وقانون الاتجار بالبشر وقانون الحريات الدينية... ثم إن هناك قوانين خاصة بنا نحن... يعني على رأي الممثل عادل إمام في مسرحية «شاهد ما شافش حاجة» عندما وجد نفسه في حديقة الحيوان وكان يجلس قريباً من قفص الأرنب »كالابالا« ووجد أن الأسد قد خرج من قفصه وجلس بجواره... وعندما حاول أن يتحرك يميناً أو يساراً كان الأسد يتحرك معه بنفس الطريقة... فقال قولته المشهورة »يطلع لي أسد«؟!!! ده أنا بخاف من الكلب يطلع لي أسد؟؟!! إيه ده جايي لي أنا بأه«.. وبعض العقوبات الأمريكية مفصلة علينا نحن تفصيلاً.. »وجايالنا إحنا بأه«!!. مثلاً في عام 1988 وكان على رأس البلاد مجلس سيادة ورئيس وزراء منتخب هو الإمام الصادق المهدي، تم الإعلان عن الحظر الاقتصادي للسودان بسبب أن السودان تخلف عن دفع خدمة الديون.. وكان هذا القانون يحرمنا من الحصول على المساعدات الخارجية مع أننا فشلنا فقط في دفع أقساط »خدمة« الديون ولم نفشل في دفع الديون نفسها. »مع أننا غلبانين على رأي عادل إمام برضو«. في فبراير عام 1990 أعلنت أمريكا عن حظر المساعدات للسودان بسبب »الانقلاب العسكري«... لاحظ أنها لم تفعل ذلك مع انقلاب السيسي في مصر والذي حدث بعد «23» عاماً من الإنقاذ، بل أعلنت عديل كده أنها ستواصل المساعدات. في سبتمبر 2003 صار الأمريكان »يكرهوننا« بدرجة عالية.. بل »يحدرون« لنا في الضلمة فأعلنوا عن حظر كل المساعدات تحت قانون الإتجار بالبشر... ولا أدري من هم وأين هم البشر الذين »نتاجر بهم أو فيهم«!! في عام 2006 قام الرئيس جورج بوش »الابن« برفعنا درجة واحدة في سلم الحظر ولكنه أنزلنا نفس الدرجة في وقت قياسي لم يتعد أشهراً قليلة. من القوانين الخاصة بنا أيضاً ما صدر في عام 1997 بما يعرف بالعقوبات الاقتصادية الشاملة التي قررها الرئيس الأمريكي »كلينتون« وبأمر تنفيذي مباشر منه دون المرور بمحطة الكونغرس، وشمل ذلك منع التكنولوجيا ومنع تسهيل التصدير وتقديم المنح. في عام 2006 تم توسيع الحظر على الأشخاص وحجز أموال الحكومة السودانية، وهذا بالطبع مع استثناء حكومة الجنوب، مع أن الانفصال لم يقع إلا بعده بخمس سنوات. في ذات العام 2006 صدر قانون أسهم الشركات العاملة بالسودان وأمرها بسحب استثماراتها. في عام 2007 صدر قانون «البطانية» (Blanket sanction) أو ما يعرف بالحظر الكلي الشامل، وقد شمل ذلك حظر الشركات التي لها تعاملات مع السودان في حملة ضخمة وحتى الشركات التي كانت ترغب مجرد الرغبة في التعامل مع السودان.. وبعضها كان يملك أسهماً »قدرت قيمتها ب 97 مليار دولار«. ظل يتم تجديد الحظر والعقوبات عاماً بعد آخر ويتجدد بصورة تلقائية... يعني حتى عندما ينسى الرئيس الأمريكي أو اللوبي يقوم الكمبيوتر »بالكواريك« و»يولع أحمر« ويذكرهم بأن اليوم تجديد الحظر على السودان. وبالطبع كانت نتائج الحظر ضارة وكلها تقع علي المواطن ولا تقع على الحكومة... ومن هذه النتائج: حرية الحركة التجارية. صعوبة جلب التمويل من الخارج. صعوبة الإيفاء بالديون. عدم التمكن من تطوير القطاعات بفقدان التقانة وقطع الغيار. إرهاب البنوك والمصارف من التعامل مع السودان.. مثلاً »أرهبوا« بنك »لويدز« وغرموه 350 مليون دولار لأنه دخل مع السودان وليبيا وإيران في بعض التعاملات المصرفية وغرموا »باركليز« 300 مليون دولار بنفس الطريقة. صعوبة التحاويل الداخلة والخارجة وزيادة تكاليف التحاويل. إبطاء النمو الاقتصادي. في مايو 2008 تم رفض 5677 معاملة سودانية كانت قيمتها 547 مليون دولار وتم حجز ممتلكات وأصول سودانية بمبلغ 43 مليون دولار. ونواصل في المرة القادمة حول »الفجوات« والاستثناءات المتوفرة في قانون الحظر الأمريكي. وعلى الرغم من كل ذلك فقد تجاوزت حكومة السودان كل العوائق وقفزت على الحواجز، واستطاعت أن تكتشف البترول وتنشئ الأنابيب وتقيم الصناعات وتنتج الأسلحة التقليدية وتقيم السدود متخطية العقوبات الأمريكية.