ونفتح سجلات الزمن الجميل لرجل تحدى الصعاب ولم يهزمه المرض ولا تبعاته لأنه ارتضى بالابتلاء وقلبه عامر بالإيمان.. رجل كانت داره قبلة للأدباء والكتاب والشعراء من داخل البلاد وخارجها.. أقعده المرض، وكرسيه المتحرك كان وسيلته في الطواف عبر الإذاعات والمنتديات والندوات والمشاركات الخارجية.. رجل تحدى الزمن وقسوته لكنه بالعزيمة والإصرار والإيمان المطلق شق طريقه في الحياة ورسم أعظم اللوحات وخلد اسمه في سجلات العطاء السوداني ليظل محفوراً في قلب تاريخنا المعاصر إنه الأديب السوداني الكبير عبد اللَّه حامد الأمين الذي ولد بمدينة أم درمان بشارع البوستة المسمى بشارع محمد حسن بك وهو الشارع المؤدي إلى نادي الهلال في الثلث الأول من القرن العشرين عام (1934م) فخرج من السنة الثالثة الثانوية بمدرسة وادي سيدنا الثانوية وهي أم المدارس السودانية في ذاك الزمان الجميل.. لم يستطع مواصلة التعليم بسبب الخمور (خمور العظام) ولزم بيته ولم يلتفت إلا للقراءة المكثفة في مختلف أفرع الثقافة والآداب والمعارف، في منتصف الخمسينيات أصبحت داره أكبر وزارة للثقافة في السودان فبعد ظهر الجمعة يتوافد إليها الأدباء والشعراء وتُعرض (بضائعهم) الأدبية وإن صح التعبير إنتاجهم الأدبي ويبدأ النقاش وفتح القنوات للدراسة والتوثيق. كان يؤم الندوة أهل اليسار واليمين والوسط من شعراء وأدباء بلدي الذين تركوا لنا الإرث الأدبي شعراً ونثراً. اشترك أديبنا السوداني في تأسيس اتحاد كتاب آسيا وإفريقيا ممثلاً للسودان وعمل محرراً في مجلة اللوتس التي كان يرأس تحريرها الأديب المصري الكبير يوسف السباعي. اشترك في تأسيس اتحاد الأدباء السودانيين واتحاد الأدباء العرب وتم اختياره عضواً باللجنة التنفيذية تكريماً للسودان في شخصه. في عهد الرئيس نميري اشترك في تكوين المجلس الأعلى لرعاية الآدب والفنون وكان أول رئيس لأول مهرجان بالمسرح القومي له مجموعة قصصية تحت عنوان (تحت الشمس من جديد) غنى له عثمان حسين والحويج كلمة منك حلوة وسيد خليفة وجدتها، وفي دار الندوة تكونت الثنائيات الفنية نذكر منها على سبيل المثال عثمان حسين والحويج وكلمة والدكتور الزين عباس عمارة في أغنية أوعدني وتاج السر الحسن والكابلي في آسيا وإفريقيا المجذوب والكابلي في أوبريت (المولد) ولعل أغنيات الحزن والشجن والبكاء ظهرت في تلك الفترة. والندوة الأدبية كانت قبلة لأدباء مصر على رأسهم العالم والأستاذ الجليل عبد المجيد عابدين الشخصية التي عاشت بيننا وقدم للمكتبة السودانية أعظم ما كتبه كاتب وغيره كثر. توفي عبد اللَّه حامد الأمين في حادث حركة في (3/8/1976م) وأول من تنبأ بموته الإذاعية العاشقة للسودان وأم درمان ثريا جودت رحمة اللَّه عليها وسنفرد مساحة لاحقة لذلك. أما رد الفعل المباشر لوفاة أديبنا الكبير فقد كان من الشاعر الراحل مبارك المغربي الذي فاجأ الجميع وأنشد: نعاك وليت الذي نعاك إلي أحس بوقعه القاسي علي ذكاء المرء محسوب عليه وعبد اللَّه صدقني ذكيا رحم اللَّه الجميع أما الشعراء الذين كانوا من رواد الندوة الأدبية فقد كان بينهم التقليدي والمجرد والثائر والرافض والمغالي في تحرره وقد كانوا في ذاك الزمن الجميل صفوة المجتمع وأعلامًا بارزة في حياتنا الثقافية فقد كانت تضم ويا لروعة الأسماء وتواريخهم وما قدموه للمكتبة السودانية المسموعة والمقروءة كانت تضم من اليساريين.. حسن عباس صبحي القاضي الكبير صاحب العذب المر أبو بكر خالد. تاج السر الحسن النور عثمان كمال الجزولي وكمال شانتير صلاح أحمد إبراهيم مصطفى محمد صالح مبارك حسن خليفة سامي سالم الزين عباس عمارة الطيب زروق خوجلي شكر اللَّه أحمد إبراهيم. ومن اليمين شيخ شعراء السودان عبد اللَّه الشيخ البشير مصطفى طيب الأسماء عز الدين الأمين فاروق الطيب إمام علي الشيخ. أما أهل الوسط من رواد الفكر والثقافة فقد كانت تضم: محمد المهدي المجذوب حسن محمد علي منير صالح عبد القادر محمد الفيتوري مهدي محمد سعيد علي آدم أحمد محمد السنوسي د. بدوي عبد القادر خليل د. عثمان غندور عثمان علي نور طه عبد الرحمن خليل عبد اللَّه إسماعيل خورشيد. أما من أهل الفن فقد كانت تضم الحويج عثمان حسين الكابلي حسن يوسف موسى سيد خليفة مصطفى عوض اللَّه بشارة عوض أحمد خليفة والطاهر إبراهيم. يا لروعة الأسماء وروعة التاريخ لجيل رحل منه من رحل وترك بصماته الأدبية لهم الرحمة وللذين ما زالوا بيننا عطاءً لهم الصحة والعافية.