يعتبر الشاي من أكثر المشروبات الساخنة تداولاً في السودان، والأوفر حظاً في المدح والإطراء من بقية المشروبات، خاصة في غربنا الحبيب (دارفور وكردفان) حيث أصبح الشاي جزءاً أساسياً من حياة الناس، ومفردة شائعة في ثنايا أمثالهم وأشعارهم وحكاياتهم الشعبية، ولا سيما (البقارة، الهبانية، المسيرية، التعايشة، البني هلبا، الحمر، المعاليا، الرزيقات.. الخ) الذين أقاموا له مجالس أُنس غنائية عُرفت فيما بعد بمجالس البرامكة، وهم شعراء وحكامات كونوا فرقاً لمدح الشاي، والتغني بالقيم الفاضلة للمجتمع السوداني، وكلما ذُُكر البرامكة يتبادر إلى الذهن برامكة هارون الرشيد الذين أسسوا دولةً عاشت لفترة ثم انهارت في تداعيات عرٌفت بنكسة البرامكة. وأقول من خلال متابعتي لمسيرة البرامكة واطلاعي على البحوث التي كُتبت عنهم، أن البرامكة في السودان يختلفون عن برامكة هارون الرشيد، فبرامكة السودان شعراء يزينون أعناق قصائدهم بالمدح الجميل لقيمنا الأصيلة، وعاداتنا السمحة النبيلة. ويمدح شاعر البرامكة (المدير)، الرجال العظماء، والكرماء أصحاب الشهامة والمروءة والبطولات التاريخية، والنساء العفيفات (الفنجريات) الصائنات أنفسهن والمحافظات على أعراف مجتمعهن، ويذمون (الخنبات) القافزات فوق حواجز العادات والتقاليد. ولمجالس البرامكة نُظم وقوانين في شرب الشاي، وسلوك العضو المنضوي تحت لواء فرقتهم، ومن يخرج عن دائرة تلكم القوانين يُعقد له مجلس محاكمة رادعة، فمثلاً يحرم البرامكة على أعضائهم، أكل الطعام في الأسواق خاصة النساء، ولبس الملابس المتسخة، والوجود في الأماكن غير اللائقة بالرجل المسؤول، أو الأماكن التي تدور حولها الشُبهات، ومن أميز ما يميز البرامكة، احترامهم للنساء وكبار السن والأطفال. وهناك أربع حالات يُعقد فيها مجلس البرامكة، وهي مجلس الانبساطة (أي مجلس سمر)، مجلس المساعي الحميدة (أي صلح بين أخوين)، ومجلس محاكمة، ومجلس فرح (احتفال). قلتٌ إن البرامكة جمع بينهم حُب الشاي الذي يحترمونه، ويقدرون أدواته (كفتيرة، براد وكبايات) لذا نجدهم يغدقون عليه عبارات المدح فيقولون (أحمر الدلمي كملّ لي بقري وغنمي). والشربة المخصوصة يحبوها الفناجرة، ويكرهوها النُحوسا تبسط الحزنان ولو ماتت عروسا (وجبار الخواطر/ وصفار الفواطر/ لا بشبّع جيعان ولا بسمن باطل)، و(الشاف حمار باع حمارة)، و( شباط أحمر قندول أم نباط ولا بتلحس ولا بنصاط أمك الكباية وأبوك البراد). وكن شفتا أحمر تقول بدما وكن شفتا أسود تقول بسما وكن رشف من رشف رشفتين فرق ليك همك ويقول فيه أحد البرامكة أسموا الشاي أبو شعيرا أنا سميتك أب صاموت أب شراباً شوووت رباط مسامير الراس نباه العروق أنحنا نشربك من بداية الدنيا لحدي ما أرواحنا دي تفوت ويقول أحد برامكة برام الكلكة: الشاي أب هبهان مشروب عيال هبان ومشروب الضيفان رمز الكرم في وطنا السودان مجمع الحبان ومرتع الإخوان في دار فورنا العزيزة والشقيقة كردفان ويطلق البرامكة على الشخص الأنيق العفيف والذي يعتني بالشاي وأدواته ب (الفنجري )، والذي لا يحترم قواعد الشاي وآدابه ب (الكمكلي)، وهناك عداء مستحكم بين البرامكة والكماكلة، حيث يذم البرامكة الكماكلة ويصفونهم بالبُخل والجُبن فيقول أحد البرامكة: رئيسنا السوداني قرارا صدر ومولانا القاضي بقلما أشّر أنحنا مع البرامكة في الخط الأحمر ومعاهم في خصام لحدي المسيح يظهر الكماكلة نجوس في الدرك الأسفل وأقول إن هناك موجة وعي بأهمية ستات الشاي وإدراك المجتمع لدورهن الريادي، الذي يقمن به فظهرت أغنيات رائعة تمجدهن وكذلك تمجد جبنتهن البكرية.