عندما أتت الإنقاذ بمشروعها الحضاري الشامل في كل تفاصيل حياتنا الثقافية والاجتماعية والتنظيمية والخدمية كان استبشارنا خيرًا بدخول أحد تلك المشروعات الهامة المتطورة وهي دخول خدمة نقل الأوساخ والنفايات من داخل الأحياء بعد تجميعها بصورة حضارية ومنظمة داخل أكياس بلاستيك توضع خارج البيوت تنتظر مرور العربة الأسبوعي أو نصف الأسبوعي حسب البرنامج الخدمي المقدم من الجهات المختصة، ولعل المركبات الضخمة التي استوردتها الحكومة حسب الناظر لها فهي أفضل وأقوى وأجود من بصات الوالي وأعلم أنها قد استُوردت بواسطة لجنة مميزة قُدمت لها كثيرٌ من العروض ودارت حولها مطامع الوسطاء! إلا أن وجود رجل مميز صادق وأمين على رأس تلك اللجنة كان له الفضل الكبير فيما حظينا به من متانة نوعها والدليل على ذلك أن تلك العربات التي نراها تجوب الشواع ويقودها بإهمال وعنف اناس لا نجد ادنى مبرر لعدم محاسبتهم، واصبحت تلك العربات تمثل هاجسًا مروريًا وفوضجيًا داخل الأحياء وحتى طريقة الانتظار لحمل الأوساخ بواسطة العمال الذين تشاهدهم يركضون وراءها بمشقة وعذاب وكانهم ساكين بص امبدات فى بداية التسعينيات!! ويظل السائق المتهور لا يبالى ولا يهتم للوقوف لهم ولو دقائق محدودة حتى ان بعض الاسر التى تحتفظ باكياس تلك النفايات داخل المنازل لا تجد المتسع من الوقت لاخراجها والحاقها بالعربة فقد مرت كلمح البصر كما تفعل عربات ترحيل اطفال المدارس الذين لا يخافون الله فى ما يتقاضون نظيره فلا يمكنهم الانتظار والتمهل ولو تأخر ابنك نصف دقيقة!! فبنفس الطريقة لا تنتظر عربات النفايات ولو ثانية وقوفًا لحمل الاوساخ، اما الطريقة التى يتعامون بها من هرج ومرج وازعاج فهى طريقة غير حضارية وكان يمكن ان تكون هناك طرق للتنبية بقدومهم غير الكواريك والصفافير، والمحير فى الامر ان العمال المرافقين لتلك العربات يكون احدهم اعلى العربة يعني فى وسط اكوام الاوساخ وكنت اظن ان الامر فيه مغزى آخر للتنظيم والترتيب وحاولت كثيرًا النظر من اعلى البناية التى اسكنها لأجد تفسيرًا لوجود ذلك العامل فى ذلك المكان وفعلاً وجدت الاجابة الغريبة فهل تصدق عزيزي القارئ ان الموجود بأعلى العربة يبحث من بين الأنقاض عن اشياء ربما تكون ثمينه له!! كما انه يفرز الفوارغ من زجاجات المياه والمشروبات البلاستيكية لعله يجد فيها مصدر دخل آخر!!! وشيء آخر لا حظته وهو ان العامل عندما يحمل كيس النفايات الذى جهز ولف بإتقان قبل ان يصل به او يقذفه لأعلى العربة يكون قد فرغ كمية كبيرة منه فى الشارع وكأننا يازيد لارحنا ولا جينا!! اما ما يزعجنى جدًا فهو التوقف والاهمال المرورى وعدم احترام قواعد القيادة فتجد ان كثيرًا من الحوادث الكبيرة كان اساسها تلك العربات، وقد آلمني جدًا أن اطالع خبرًا مفاده ان عربة النفايات تسببت امس الاول فى وفاة طفلين وسائق ركشة، وقبل اسبوع كذلك فجعنا بنفس الدراما وقد اهلكت تلك الدابة الشيطانية اسرة بكاملها وليس حادث ابن الزعيم الازهرى عليه رحمة الله ببعيد، فقد توقفت عربة النفايات فى الطريق العام بشارع السيد على فجأة لتكون نهاية مأسوية لاسرة مكلومة بفقدها، والمزعج حقًا ان هؤلاء السائقين يتعاملون بتعالٍ وعدم انصياع للارشادات المرورية او حتى للنصائح العادية وكأنهم يمتلكون يدًا سحرية فى استمرارية عملهم رغم تلك الأخطاء، وقد اوقفت الاسبوع الماضى احدهم طلبت منه افساح الطريق لمرورنا عبر ذلك الممر الضيق فى الحى الام درمانى العريق، تخيل معى رده «ياعمك ما تسألنا ان عندك كلام قولوا للوالي» استغربت لذلك الفهم! ما ذنب الوالى بذلك وعلاقة مفهوم خاطئ عند اكثرهم فهم يعتقدون انها عربات فوق القانون او النظام، وفي اعتقادي ان هؤلاء السائقين يحتاجون لكثير من المراجعة والتدقيق فى الاختيار، وطالما ان الدولة صرفت كل تلك الاموال لجلب هذه العربات فلا اظن انها يصعب عليها ايجاد آلية تشغيلية جيدة لهذا المشروع الهام، أضف الى ذلك ان هناك اعدادًا كبيرة من السائقين الاكفاء المحترفين فى انتظار رحمة السماء بايجاد فرصة لهم لسد تلك الوظائف الهامة، وملاحظة اخرى وهى ان تلك العربات دائمًا فى حالة اتساخ مستمر ولا اعتقد انها تخضع لصيانة ونظافة دورية خارجية حتى يكون منظرها مواكبًا لما يقومون به «ففاقد الشيء لا يعطيه»، وقبل ايام وانا اعود برحلة الخطوط القطرية عن طريق الدوحة وكانت المغادرة من مطارها «7» صباحًا شاهدت مناظر جميلة لم اكن اتخيل رغم سفري الكثير ان الطيارة مثل العربية يتم غسلها وصيانتها من الخارج!! فقد شاهدت معظم الطائرات القطرية الموجودة بالمطار يلتف حولها عشرات العمال بخراطيش مياه ضخمة وصابون تظهر بعدها الطائرة وكأنها مصنوعة من جديد!! فإن كان ذلك عندهم للطيارة فما هو الصعب عندنا فى ان نلزم كل سائق بتجهيز العربة المخصصة له وصيانتها ليكون منظرها مشرفًا ومقبولاً وقدوة لخدمة النظافة، وفي بعض الأحيان تغيب تلك العربات عن الخدمة المخصصة لها لفترات طويلة دون مراقبة او إشراف من الجهات المختصة وتجد الأغرب ان تلك الجهات تراقب وتشرف وتتابع التحصيل وتشدد في ذلك وقد تصل معك لحد عقوبة الحبس وتتجاهل ما يرتكبه هؤلاء السائقون فى حق المواطن المسكين، واكاد اجزم بان كل الحوادث السابقة المرتكبة نتيجة أخطاء وإهمال هؤلاء لم تراجع او تتابع او توقع عقوبات ادارية عليهم وهذا يزيدهم فى طغيانهم واصرارهم على تلك الأخطاء وذلك الإهمال، فيجب ان نراجع تلك المشروعات الهامة ونسعى لتطويرها فهى بحق هامة فى حياتنا وتعد ثمة حضارية تحسب رصيدًا إيجابيًا في صالح ثورة الإنقاذ فبحمده اختفت عندنا «الكوش» واماكن رمي النفايات غير الحضارية ولكن حتى يكون الاستعواض فيه فائدة اعظم لا خراب ودمار يجب ان نختار السائق الكفء والمحترف والصبور ويجب ان يتبع العربة عمال يقدرون تلك المسؤولية ويخلصون فيها وما اظن ان الدولة عاجزة عن توفير عمالة أجنبية لا تستحي او تتوراى خجلاً فى الأكل من عرق الجبين، كما لا بد من أن نلتفت إلى أن تلك العربات أصبحت تمثل هاجسًا مروريًا وتتسبب فى كثير من الحوادث اليومية بعدم الالتزام بقواعد الوقوف والانتظار وليحرص هؤلاء العمال على نقل الأكياس بصورة أفضل حتى تصل الى الأماكن المخصصة لذلك وليترك هؤلاء البسطاء فرز المنافع فى تلك الساعات فهي للعمل الخاص ليس للمنفعة الخاصة واخيرًا ليترك العمال الدراما الفوضجية المضحكة فى داخل الأحياء فأنتم تأدون عملاً خدميًا لا تروجون لسلعة تُباع وتُشترى .