سقطت عاصمة ولاية جونقلي «بور» بدولة جنوب السودان في يد الانقلابيين عقب معارك ضارية مع الجيش الشعبي أودت بحياة مئات الجنود بين الجانبين أمس، فيما أعلن رئيس الجنوب سلفا كير ميارديت موافقته على الجلوس والتفاوض مع نائبه رياك مشار الذي ظهر لأول مرة إعلاميًا نافيًا علاقته بالتخطيط لانقلاب ضد الرئيس سلفا كير، وذكر مشار في تصريحات تناقلتها وسائل الإعلام أمس أن الأحداث التي تشهدها جوبا هذه الأيام ذريعة ينتهجها سلفا كير لاضطهاد خصومه السياسيين، وقال متحدثًا من مكان غير معروف: «لم تكن هناك محاولة انقلاب». ورادف: «ما جرى في جوبا كان سوء تفاهم بين الحرس الرئاسي». وأضاف مشار، أن سلفا كير كان يبحث فقط عن ذريعة لاتهامنا زورًا من أجل إحباط العملية الديمقراطية التي تدعو لها جماعتنا باستمرار، معتبرًا أن سلفا كير خرق الدستور مرارًا وتكرارًا ولم يعد الرئيس الشرعي للبلاد، وأضاف: «لا نرغب فيه رئيسًا لجنوب السودان بعد الآن» ونفى مشار تورطه في التخطيط لانقلاب ضد النظام. في وقت أبلغ فيه القيادي بالحركة الشعبية يوهانس موسى (ابن أخت مشار) «الإنتباهة» وصول الدكتور مشار لمدينة بور برفقة والي الوحدة السابق تعبان دينق والفريد لادو والدكتور بيتر أدوك للسيطرة على قوات قديت حتى لا تتعرض للمواطنين، بينما كشف الأمين العام للأمم المتحدة بان كي مون عن وفد أممي سيصل إلى جوبا للتحقيق في قتل مدنيين على يد الجيش الشعبي. سقوط بور من جانبه قال المتمرد الفريق بيتر قديت لوسائل الإعلام إن قواته سيطرت على عدد من المقاطعات من بينها أكوبو ونيرول البيور ومقاطعات أخرى حدودية مثل منقلا وملاشان وبانديان، وأكد في الوقت نفسه نائب والي جونقلي حسين مار وقوع عمليات قتالية بالمدينة أمس، وقال إن القتال اندلع ليلاً في اثنتين من الثكنات العسكرية مضيفًا أن القتال أصاب سكان المنطقة بالذعر خوفًا من امتداده إلى البلدة، وبالمقابل شهدت مدينة جوبا موجة نزوج جديدة دعت وزير الإعلام ماكويل الى مخاطبة المواطنين بمقر اليونميس ومطالبتهم بالعودة إلى منازلهم، بينما اعتقلت السلطات الأمنية أمس وزير الاتصالات السابق مدوت ديار والقيادي باللاتوكا هايتن اوفا، وسرت أنباء غير مؤكدة بوضع المدير العام للشرطة فيانق دينق تحت الإقامة الجبرية. انكار اعتقال وفي ذات الأثناء حمَّلت زوجة الأمين العام للحركة الشعبية باقان أموم «سوزان» الرئيس سلفا كير والحكومة مسؤولية سلامة زوجها، وقالت للصحفيين إن باقان اتصل بالأسرة أمس، وقالت لاحقاً لقناة «الجزيرة» أمس، إن حكومة الجنوب تنكر تماماً عبر الناطق الرسمي لها أن تكون قد اعتقلته على الرغم من اعتقال زوجي أمام الكثير من شهود العيان. وذكرت أن السلطات سمحت لزوجها بالاتصال بهم للاطمئنان إليهم، ونوهت باعتقاله أمس بواسطة قوة أمنية خاصة من منزله واقتياده لجهة مجهولة. وفي غضون ذلك أكد مجلس الأمن الدولي أن بعثة الأممالمتحدة لدى جنوب السودان تملك صلاحيات كافية تخولها استخدام القوة للدفاع عن المدنيين. وحذر رئيس مجلس الأمن الدولي من أن العنف في دولة جنوب السودان، والذي يُعتقد على نطاق واسع بأن له أبعادًا عرقية، يمكن أن يتصاعد ليتحول إلى حرب أهلية. وفي تصريحات لبي بي سي قال جيرار أرو، مندوب فرنسا بالمنظمة الدولية، إن الأممالمتحدة تلقت تقارير تشير إلى أن المئات قُتلوا في أعمال عنف منذ «محاولة انقلاب» يوم الأحد الماضي. غير أنه أشار إلى أن المدنيين لا يتعرضون للاستهداف المخطط. عنف لفئات في الوقت نفسه، قال بان جي مون أمين عام الأممالمتحدة إنه يشعر بقلق عميق إزاء «خطر استهداف العنف لفئات بعينها». وناشد الجميع وقف إطلاق النار فورًا. وفي سياق متصل قالت مجلة «الإيكونوميست» البريطانية، في تقرير على موقعها أمس إن ظهور الرئيس سلفا كير المفاجئ على شاشات التليفزيون الإثنين الماضي كان مثار قلق في شكله ومضمونه، حيث استبدل بدلته السوداء وقبعتة الشهيرة ببزة عسكرية معلنًا إحباط محاولة انقلابية تزعَّمها خصمه السياسي ونائبه المعزول في يوليو الماضي رياك ماشار، واعتبرت المجلة إلقاء الرئيس كير اللوم على خصمه مشار بمثابة محاولة من جانب الأول لتبرير القمع تجاه أنصار الثاني. لافتة إلى أن تكوين الجيش يعكس السياسات التقسيمية للدولة الناشئة. ونقلت المجلة عن محلل أمني قريب من الجيش القول «إن تلك لم تكن محاولة انقلاب حقيقية.. إن ما حدث كغيره من الأزمات السابقة محض حادث مبني على الشكوك والشائعات». وقالت المجلة إن المانحين الغربيين والأممالمتحدة لا يزالون قادرين على استخدام نفوذهم المتمثل في مليارات الدولارات في صورة مساعدات لإبرام تسوية بين الجانبين المتصارعين على السلطة. ورصدت «الإيكونوميست» ملاحظات أشخاص مقربين من الرئيس كير مفادها أن الرجل قد تغير، وسط تساؤلات عما إذا كانت المشكلات الأخيرة حول ثروته قد أثرت عليه في عملية اتخاذ القرار. واختتمت المجلة تقريرها بإيراد وصف أحد الدبلوماسيين الذين يعرفون كير منذ الحرب الأهلية قائلاً: «إن هذا الرجل يختلف تمامًا عن كير الذي عرفناه».