حذر د. عصام أحمد البشير خطيب مسجد النور بكافوري يوم الجمعة الماضية من تنامي ظاهرة اللا دينيين تحت شعار «سودانيون لا دينيون»، ودعا إلى مخاطبة هذه المجموعات وفق عقولهم ومعارفهم ولسان عصرهم، وطالب بإطلاق مبادرة للحوار مع الشباب الذي وصفه بأنه يعيش في صومعة على مواقع التواصل الاجتماعي، وقال: «يجب أن يكون الخطاب قريباً منهم حتى لا يفوتنا القطار ونجدهم صرعى» ولعل وجود مجموعات لا دينية أحسب أن جلها من الشباب يكشف مدى التأكُّل السلبي في البنية الاجتماعية والتربوية والدينية فبعد انتشار ظاهرة تعاطي المخدرات بأنواعها المختلفة وممارسة صور البغاء والجريمة والتعاطي الربوي والسفور للفتيات والتفكك الأسري أطلت علينا ظاهرة التحلل الديني والخروج السافر من عباءة الأديان لدى شبابنا العربي ومن ثم انتقلت هذه الجرثومة إلى السودان والتي تكمن خطورتها في خروجها من السلوك الفردي المحدود إلى جماعة تتخذها فلسفة وفكرًا تدعو له دون تحفظ، وفي السودان أوضحت مجموعة «سودانيون لا دينيون» فكرها الإلحادي الصادم للمشاعر عبر سطور قالت فيها «لا نعتقد أن مسألة وجود إله من عدمه أمر يهم البشرية في شيء ولا يهمنا أبدًا وجود إله أو عدم وجوده لأن ذلك لن يفيدنا ولن يضيف شيئًا للبشرية، والأديان بالنسبة لنا هي عبارة عن أفكار مستوردة من البيئة المحلية والأساطير القديمة للسيطرة السياسية على البشر» ثم أضافت قائلة: «ومهما حاول رجال الدين إسباغ صفة الإعجاز العلمي على كتب تخاريفهم المقدسة فهي فقط عبارة عن لي لأعناق الآيات لمواكبة التطورات العلمية الحديثة. ثم أضافت قائلة :«إن كنت تعتقد بعدم وجود خالق «ملحد» أو كنت تعتقد ببشرية الأديان ولكن تعتقد بوجود إله عاقل «ربوبي» أو إن كنت لا دينيًا تعتقد ببشرية الأديان وتنكر إله الأديان وتعتقد بأنه لا يوجد دليل يثبت أوينفي وجود إله مطلق «لاأدري» فقد وصلت للمكان المناسب لأن مايجمعنا جميعًا هنا هو فكرة أن «الأديان من صنع الإنسان» والبيان الإلحادي حينما يشير إلى أن الأفكار مستمدة من البيئة المحلية يشير إلى الآية الكريمة في سوردة الرحمن «حور مقصورات في الخيام» وكذلك ذكر الفواكه والتي قال عنها منفستو الجماعة «كل فواكه الجنة التي ذُكرت في القرءان هي فواكه شبه الجزيرة العربية» كما أشاروا إلى مخالفة الأديان للوقائع العلمية والتاريخية وقالوا «إن الأديان الثلاثة ذكرت أن الأرض التي نعيش عليها مسطحة وليست كروية وأن القلب هو مركز التفكير وليس المخ» وقالوا إن الأخطاء التاريخية بحسب قولها تتمثل فيما وصفته بخرافة عيسى المسيح «يسوع» ووجود أدلة على خرافة شخصيته وعدم تاريخيتها وخرافة شخصية موسى وفرعون حيث لا يوجد دليل على وجودهما تاريخيًا، وكذلك الحال مع نوح وأسطورية قصة سفينته». وبالطبع كل تلك الشبهات التي أُثيرت ضد الدين والدين الإسلامي خاصة ليست جديدة لكن خطورتها تكن في هذا العصر الذي بات يتحكم العلم والتنكلوجيا فيه بحياة الناس حتى أضحى الكثيرون في قمة سكرتهم واحتفائهم بالعلم وسطوة العقل باعتباره مرجعية أساسية لصنع التطور وبناء وتأسيس حياة الناس والتحكم في مصائرهم ووجودهم في الحياة يجنحون إلى التفسير المادي للحياة، فالعلماء الماديون المأخوذون بتطور علم الجينات سعوا للاستنساخ الحيواني كمقدمة لاستنساخ البشر وبالتالي حل لغز الخلق والتحكم في الحياة وشطب مكنيزم الموت نهائياً لكن كل هذه الأبحاث لم تنشأ من عدم وإنما ارتكزت على ما هو موجود من خلق الله، فمثلاً عندما استنسخوا النعجة دولي أخذوا بعض جيناتها من نعجة حقيقية ثم فشلوا في مهمتهم عندما أخرجوا نعجة طاعنة في السن لم تلبث أن فارقت الحياة بعد فترة، ولا شك أن استدلال الشباب اللادينين بأن القرآن مصنوع بحجة وجود استدلالات من البيئة المحلية للجزيرة العربية مثل استشهادهم بالحور المقصورات في الخيام فتلك رؤية قاصرة ومضللة ذلك لأن الأشياء في الآخرة ليست هي كما في الدنيا، فماء الآخرة وفواكهها ولبنها وعسلها ليس مثل فواكهنا المسمدة أو المحورة وراثياً ولا مثل لبن الدنيا المتغير طعمه بما تأكله البهائم، فالخيمة في الآخرة رغم تناسق اسمها مع خيم الدنيا المصنوعة من القماش أو الصوف لكن بالطبع فإن لها هيئة مختلفة إذ أن الجنة كما قال صلى الله عليه وسلم «لا عين رأت ولا أذن سمعت ولا خطر على قلب بشر»، فهل يمكن أن نقدح في القرآن لأنه لم يذكر الفلل الفارهة وناطحات السحاب كسكن؟ إذن من هنا فإن المقارنة غير واردة ثم إذا كان الحفريات والأدلة العلمية لم تثبت معجزات الرسل فهل هذا يعني أنها خرافات؟! أما عن الحديث عن كروية الأرض وتقاطع القرآن معها بموجب الآية في سورة فصلت بحسب زعمهم «إلى الأرض كيف سطحت» فالتفسيرات الحديثة المتعلقة بالإعجاز القرآني كثيرة ولا مجال لذكرها هنا ولكنها خلصت أن الاستدالال القرآني بالأرض مثل «سطحت ودحاها و مددناها وبسطها وفراشاً ومهادًا وطحاها ليس لها علاقة بشكل الأرض أو بكرويتها وإنما تتعلق بطريقة تشكُّل وتوسع اليابسة فوق سطح الماء والتي أصبحت مهداً وفراشاً يصلح لنشأة الحياة البرية» أخيراً يجب أن يعلم هؤلاء الشباب أن كل الذين ضلوا من هدي الدين كان مدخل الشيطان معهم هو الإعلاء من قيمة العقل بحيث يبدو حكماً ومرجعية للدين وفق هوى وافتتان بموجودات ومكتسبات الدنيا المتقلبة والتي هي نفسها مهما تطورت فهي لا تُخلق من عدم. ومن هنا نقول كيف يمكن أن نأخذ بيد هؤلاء الشباب حتى نعود بهم إلى رحاب الدين حيث الوجدان المليء بالإيمان والبصيرة التي تفتح بآلية اليقين بعيداً عن تدليس الشيطان ومداخله الخبيثة.