بعد توقف دام لأكثر من عشرة أعوام عاود القطار المشترك (ركاب) رحلاته من الخرطوم إلى نيالا حاضرة جنوب دارفور والعكس، فهذا القطار الذي كتب فيه شعراء كثر وتغنى له عدد من الفنانين (قطار الشوق متين ترحل تودينا لي بلداً حنان أهلا وترسى هناك ترسينا) فصافرة القطار التي أطلقها بعد عشر سنوات وهو يدخل إلى مدينة نيالا عبر منحى السكة الحديد في صورة زاهية أعادت للمواطن ذاك الحنين والشوق المتجدِّد وحبهم لهذا القطار كحب الرضيع لأمه، فمنهم من استقبله بالدموع ومنهم من استقبله بالتكبير والشكر لله والهتافات منها لا بديل للسكة حديد إلاّ السكة. ومن الأمهات من استقبلته بالزغاريد وكأنهم قد ودعوا بلارجعة هواجس الخوف التي ظلت تلازمهم طوال تلك المدة من السفر للخرطوم باللواري في ظل الظروف الأمنية المعقدة وتعرضهم للنهب والعصابات بجانب الارتفاع الجنوني لتذاكر الطيران التي لم تراعِ شركاتها الجوانب الإنسانية والاجتماعية لمواطن دارفور الذي أقعدته الحرب التي أوقفت هذا القطار الحلم الذي بعودته عادت البسمة لكل فقراء بلادي بدءاً من مدينة بحري وحتى آخر محطة في نيالا، وتفتحت الآمال لانتعاش الحركة الاقتصادية بالولاية وعودة الحراك الاجتماعي لأهل السودان بين المدن والولايات التي يمر بها القطار وهي حوالى تسع ولايات تتلاقح فيها الثقافات المختلفة التي تعبِّر عن أصالة الشعب السوداني ولعل عودة القطار المشترك تُذكر كل عشاقه بالرجل القامة الفكاهي عبد السلام محمد الشهير (بحمادة) الذي عاد لنيالا باستئناف القطار لرحلاته تاركاً العمل بقطار حلفا هذا الرجل المتواضع ظل يعمل في خدمة المواطنين بالشاي والقهوة بجانب أنه يحفظ محطات القطار من سنار وحتى نيالا عن ظهر قلب وفي هذا التقرير أردت أن أتناول صدى الجماهير بوصول القطار لنيالا وسأتناول النتائج الاقتصادية التي يحققها في تقرير اقتصادي لاحق بإذن الله، وفي هذا الجانب يسرني أن أتطرّق لما قال (حمادة) ومدى سعادته برجوع القطار حيث قال إن توقف قطار الغرب أثر فيه كثيراً طوال العشرة سنوات مما جعله يتحول لعمل بيع الشاي بقطار حلفا وتابع (عندما علمت بعودته لنيالا طوالي رجعت وتركت قطار حلفا لأنني حبيت قطار نيالا وحبيت ناس نيالا)، وقال إن طبيعة عمله بيع الشاي داخل القطار وإضحاك الركاب من خلال النكات والونسات الشيِّقة). أما العم أبشر بلل الحوار سائق قطار (27) مشترك كأول رحلة لنيالا فقال إنه منذ تحركه من بحري في كل محطة يجد المواطنين في استقبال وشوق لهذا القطار الذي بعوته ستعود التنمية والسلام لأهل السودان، وأشار بلل إلى عدم وجود أي معوقات بالطريق سواء رداءة الخط خاصة من الضعين وحتى نيالا وقال إن المسافة من بابنوسة وحتى الضعين بها (10) محطة قطعها في غضون ست ساعات فقط، أما المسافة بين الضعين ونيالا (9) محطة عبرها في (17) ساعة مما يتطلب صيانة وتأهيل هذا الخط، وعلى الرغم من الفرحة العارمة التي عمت نيالا إلا أن هناك تخوفًا بدأ يسود بعض الأطراف بأن شركات الطيران ربما ستستهدف السكة حديد لأن مصالحها ستضرر، وأشار الإعلامي بإذاعة (دارفور اف ام) الأستاذ/ أحمد أبو عشرة الذي رافق تلك الرحلة من الخرطوم إلى نيالا لنقل أصداء عودة القطار إلى الغرب إلى أنهم كلما مروا بمحطة تخرج الأسر طالقة الزغاريد، ومنهم من يبكي بأن الحياة عادت لهم من جديد وتابع أبو عشرة (وصف أكثر لامرأة في بابنوسة ذكرت أنها تشعر بأن جسمها منمل بأن القطر عاد من جديد لأن بعودته ستنشط حركتهم التجارية) وكذا الحال في صليعة وأكد أبو عشرة أن القطار واحد من أدوات السلام الاجتماعي في السودان لكنه قال إن التحدي يكمن في كيفية المحافظة على استمراره والتحدي الأكبر ربما شركات الطيران تعمل على محاربة السكة حديد لأن كثيراً من المواطنين يتركونها ويتجهون نحو القطر، وأضاف أن هذا القطار واحد من الوسائل المقصودة في أنها لا تستمر ولا بد أن يقف الجميع لتمكين ودعم السكة حديد، فيما دعا أمين الشباب بالمؤتمر الوطني بالولاية حسن بشير شركات الطيران إلى ضرورة خفض سعر التذكرة حتى يتمكنوا في السفر في الظروف الطارئة والنظر لظروف ومعاناة المواطن بينما أشار حامد علي محمد من مجلس الولاية التشريعي إلى أنهم في أمس الحاجة لهذا القطار للغلاء الطاحن في تذاكر الطيران وقطع أن السكة حديد مستهدفة بأن لا يجد إنسان دارفور الراحة، وتابع عانينا من قضايا السفر للخرطوم خاصة المرضى في ظل تدني خدمات الصحة والعلاج بالولاية، وتابع (أتوقع من عودة القطار شيئين أما أن تجبر شركات الطيران بالتراجع عن ارتفاع التذكرة أو ستقوم بعمل مضاد للسكة حديد لأنها وجدت دارفور مرتعاً جعلت فيه التذكرة الأعلى في السودان) هذه هي أصداء بعض من استطلعتهم (الإنتباهة) وهم كثر لكن التطمينات باستمرار القطار لرحلاته اكتملت لهم بتأكيدات مساعد رئيس الجهورية د. جلال يوسف الدقير لدى مخاطبته تدشين أول رحلة من نيالا إلى الخرطوم الأسبوع الماضي حيث قال إن الطفرة التي أحدثها القطار منذ أول رحلة له في العام «1961م» ستتواصل بعودته هذه، وانحاز الدقير لمطالب الجماهير بالسعي لجعل رحلة أسبوعية تخفيفاً للمعاناة التي واجهتهم، وقال إن العربات والجازولين هلك الناس ووصل طن الأسمنت في نيالا إلى (2) ألف في حين أن سعره في عطبرة (700) جنيه بجانب ترحيل طن السكر ب (1200) جنيه، وأضاف أن هذا القطار سيحد في التكلفة إلى نسبة (80%) بينما قال والي جنوب دارفور اللواء آدم محمود إن إنسان ولايته عانى من تذاكر الطيران والعلاج وعودة القطار انتصار للجميع خاصة أنه جاء في وقت تنتظر فيه الولاية عمل تنموي كبير، وأضاف لا بديل للسكة حديد إلا السكة حديد، عموماً بعودة القطار تنفس المواطن الصعداء من تذاكر الطيران التي أرهقته كثيراً والتي بلغت ال (1000) جنيه في وقت وضعت فيه السكة حديد تذاكر في متناول اليد (600) ج لغرفة النوم، (250) للدرجة الأولى، (200) للثانية و(150) للدرجة الثالثة وذلك من نيالا حتى بحري فهل تتحقق بمطالب الجماهير باستمرار تلك الرحلات التي يودعون من خلال تلك المعاناة أم أنها تعود لأدراجها مجددًا؟.