قالت صحيفة الأكنومست البريطانية في عددها الصادر أمس بعنوان «دولة الجنوب التي تدمر نفسها» إن مستقبلاً قاتماً ينتظر دولة الجنوب بالرغم من محاولات المجتمع الدولي والأممالمتحدة لاحتواء موجة الاحتراب التي انتظمت الدولة الوليدة وأعلنت موجة التدمير الذاتي لأصغر دول العالم سناً، حيث اندلعت نيران الحرب لتغطي أدغال الغابات في شرق ولاية جونقلي وحتى عاصمتها بور من أجل الانضمام إلى الحرب ضد الحكومة، ولقد استطلعت الأكنومست الثوار الذين يؤكدون استيلاءهم على المدينة التي تبعد ساعات قليلة من جوبا عاصمة الجنوب. وترى الصحيفة أن الرئيس سلفا كير يملك اليد العليا في هذه الحرب كونه يسيطر على معظم ولايات الجنوب العشر، فضلاً عن المؤن والأسلحة ودعم المجتمع الدولي. ويقول مستشار غربي عمل مع الرجلين إن الرئيس يملك خيارات أفضل كما أن له القدرة على الصمود لفترة أطول في وقت الصراعات إلا أن مشار يمكنه استعمال البنية التحتية للنفط كورقة ضغط حال استطاع إنجاز عدد كبير من الانتصارات في مراحل الصراع المبكرة الأمر الذي يجعله في موقف قوة أثناء مفاوضات السلام، حيث أن الأوضاع الحالية تشير إلى انزلاق الدولة الوليدة في مستنقع الحرب الأهلية. وترى الصحيفة أنه ومنذ أن بدأ الصراع على السلطة داخل حزب الحركة الشعبية الحاكم، سرعان ما أخذ هذا الصراع الطابع العرقي بين أكبر المجموعات العرقية بدولة الجنوب والمتمثلة في الدينكا والنوير، بالرغم من أن عدداً من أبناء النوير لا يزالون يوالون الرئيس سلفا كير مثل وزير الخارجية بارنابا ماريال والعكس، حيث تعتبر ربيكا قرنق وهي من أبناء الدينكا من أكبر أنصار نائب الرئيس السابق وابن قبيلة النوير الدكتور رياك مشار، إلا أن ذلك لم يمنع انزلاق البلاد في الحرب العرقية. وتقول الصحيفة: منذ اندلاع موجة العنف في جوبا وسط الحرس الجمهوري خلال محاولة الجنود الدينكا نزع سلاح زملائهم النوير، ذبح رجال الجيش الأبيض أكثر من عشرين مسؤولاً من أبناء الدينكا في وقت أكد فيه مواطنون من النوير احتموا بقاعدة الأممالمتحدة للصحيفة أن جنود الدينكا كانوا يبحثون عن النوير من منزل لآخر من أجل تصفيتهم. وتمضي الصحيفة قائلة بين عشية وضحاها انتظمت نيران الاحتراب والتصفية العرقية البلاد التي تماثل مساحتها مساحة فرنسا الأمر الذي دفع الأممالمتحدة إلى إرسال «500» من قوات حفظ السلام لدعم ال «750» جنديا الموجدين أصلا بالبلاد إلا أنها ما زالت تواجه تهمة عدم رؤية الكتابة على الحائط، حيث انتقد دبلوماسيون غربيون مطلعين على الشأن الجنوبي رئيس البعثة هيلداجنسون متهمين إياها بالانحياز الواضح للرئيس سلفا كير والذي يحمله هؤلاء المحللون مسؤولية انفجار الوضع بسبب إصراره على اتهام مشار بتدبير انقلاب عسكري ضده. وترى الصحيفة أن محاولة زعماء المنطقة التوسط من أجل وقف إطلاق النار لن تؤتي أكلها في الوقت القريب، وبالرغم من أن زيارة كل من رئيس وزراء اثيوبيا هيلا ماريام والرئيس الكينى واوهور كينيكاتا لجوبا في 26 ديسمبر من أجل رأب الصدع بين المتحاربين إلا أن جهود الرجلين قد أسدلت عليها ظلال كثيفة بسبب الدعم الدبلوماسي والعسكري الذي أظهره الرئيس الاوغندي يوري موسفيني للرئيس سلفا كير حيث لم تتم دعوة ممثل لمعسكر مشار في المفوضات التي عقدت في نيروبي، كما أن البيان الذى صدر عقب القمة حمل إنذاراً واضحاً للسيد مشار من الرئيس موسفيني هدده فية بالهزيمة العسكرية حال لم ينسحب وقواته من الحرب. وتقول الصحيفة إن قوات موسفيني تسيطر الآن على مطار جوبا في وقت يقصف فيه الطيران الاوغندي قوات مشار في جونقلي بعد أن وعد موسفيني بإرسال المزيد من القوات لحليفه سلفا كير. ويرى المراقبون أن موسفيني يتطلع الى نقل بترول الجنوب عبر بلاده بدلاً من السودان. ويقول مسؤول غربي رفيع للصحيفة إن رئيس وزراء إثيوبيا السابق كان يشكل حجر الزاوية لتوازن القوى في المنطقة بصورة كافية لكبح جماح موسفيني، وأن السيد هيل ماريام أقل قدرة على مواجهة موسفيني. وأضاف أن العالم سيفتقد مليس لا ريب. وترى الصحيفة أن الرئيس البشير ما زال يتعامل بحذر شديد تجاه الأزمة من أجل الخروج من المعركة حيث ان الاقتصاد السوداني يتأثر بغياب رسوم ترحيل النفط بالرغم من أن استمرار النزاع قد يغري السودان بالتدخل من أجل حماية مصالحة وخاصة حقول النفط الموجودة بالقرب من الحدود مع دولة الجنوب. وتقول الصحيفة إنه فى حال نجح مشار في التفاوض مع الرئيس البشير فإن السودان سيحصل على رسوم أعلى من أجل المحافظة على تدفق النفط في مقابل دعم مشار. وترى الصحيفة أن الصين باعتبارها المستورد الأكبر لنفط السودان يمكنها التعاون مع روسيا والولايات المتحدةالأمريكية والدول الأوربية وخاصة بريطانيا والنرويج من أجل إنهاء الأزمة بالرغم من أن هذه المحاولات من غير المرجح أن يكتب لها النجاح في هذا الوقت بالذات، حتى في حال عجزت قوات الرئيس سلفا كير من هزيمة قوات مشار بسبب رمي موسفينى بكامل قوته في ملعب سلفا كيرحيث أن كلاً من موسفيني وسلفا كير لهما باع طويل في حروب الأدغال. وتنهي الصحيفة تقريرها قائلة: وبالرغم من مفاوضات سلام تعني ببساطة تفاوض حول تقاسم السلطة إلا أنه من الصعب تخيل زن يتفق الرجلان على التعايش سوياً، لتبقى حقيقة أن دولة الجنوب والتي لم تبلغ عامها الثالث بعد، تدمر نفسها من الداخل.