عندما يحل علينا شهر ربيع الأول رحاله في البلاد الإسلامية، تزدان بعض المساجد بأنواع الزينة، وتمتلئ الطرقات والساحات العامة بالناس على مختلف ألوانهم وألسنتهم وطرقهم، وترى هذه الميادين كظيظ من الزحام من الباعة والمتجولين، والنساء، والعائلات، على الرغم من عواهن الزمن، وغلاء المعيشة وزخم المدينة. وفي ريفنا الحبيب ينتظرون يوم ربيع العاشر فيه يذبحون الذبائح قرباناً، لعل الله تعالى يتقبلها ويرفع بها الدرجات ويزيح بها آثار السيئات، وكل ذلك تعبيراً عن ميلاد سيد الخلق النبي المصطفى والرسول المجتبى محمد صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم. وكذلك أجهزة الإعلام المسموعة والمقروءة والمرئية تضفي عليه بريقها، وكلماتها المعبرة، هذا ومن أشد الناس حرصاً على هذه الاحتفال ثلاث فئات الساسة، وأهل التصوف وباعة الحلوى. ويوجد غيرهم من الناس ولكن تبعاً لهؤلاء. فالساسة من زمان ملك إربل ومروراً بنابليون الى يومنا هذا حريصون على ذلك لكسب ود الناس وعدم إغضابهم، والاستفادة منهم في الانتخابات، واستمرار مناصبهم، على الرغم من قناعتهم بوجود بعض الجرائم، والظواهر السالبة ولكنهم يقدمون ما تطلبه الشعوب ويخدم مصالحهم، والتصوف نوعان إما شيوخ طرق أو اتباع أو مريدين فهؤلاء تبع لشيوخهم الذين يقدسونهم ويتبعون آراءهم ويقلدونهم من غير سؤال ولا علم منير كما قال المادح بالعامية ليهو نفسك سلما *** لا تقول كيف ولا لما!! وأما فئة الباعة فأمرها واضح، فلها الكسب وليفعل الناس ما بدا لهم طالما ان البضاعة مباعة والسوق غير كاسد. والأرباح إلى الخزينة تسيل. ولكن هذا الأمر كله ينسب إلى دين الله ويتقرب هؤلاء بالاحتفال إلى الله تعالى وهذا أخطر ما في المولد إذاً ما حقيقة هذا الأمر وما موقعه من دين الله تعالى، ومن الذي شرعه، وكيف شرعه؟ ومتى احتفل رسول الله بمولده وكيف احتفل هو وأصحابه والأئمة من بعدهم؟. والناظر في مظاهر هذا الاحتفال ومحقق فيه يلتمس عدة حقائق منها: حقيقته التاريخية أنه لا يوجد في القرون المفضلة التي أثنى عليها المصطفى صلى الله عليه وسلم حين في الصحيحين عن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه، عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال : «خيرُ الناسِ قرني ثم الذين يلونهم ثم الذين يلونهم، فلا أدري في الثالثة أو في الرابعة قال : ثم يَتَخَلَّفُ من بَعْدِهِم خَلًفٌ تَسْبِقُ شهادةُ أحدهم يمينَه ويمينُه شهادتَه». فالحقيقة الاولى خلفية هذا الاحتفال التاريخية : القارئ للتاريخ يجد أن المقريزي يقول في «المواعظ والاعتبار بذكر الخطط والآثار» : «قال المقريزي: «ذكر الأيام التي كان الخلفاء الفاطميون يتخذونها أعياداً ومواسم تتسع بها أحوال الرعية، وتكثر نعمهم. وكان للخلفاء الفاطميين في طول السنة أعياد ومواسم وهي: موسم رأس السنة، وموسم أول العام، ويوم عاشوراء، ومولد النبي صلى الله عليه وسلم، ومولد علي بن أبي طالب -». ويجد ابن كثير رحمه الله تعالى في البداية والنهاية أيضًا يؤكد أن أول من أحدثه هم الفاطميون الدولة العبيدية الشيعية وكذلك الجبرتي رحمه الله. وهؤلاء الشيعة من أحقد الطوائف على دين الإسلام أو ما يسمى بأهل السنة أي من ليس على دينهم. و قال أبو شامة في كتابه: «الباعث على إنكار البدع والحوادث» في معرض كلامه عن الاحتفال بالمولد النبوي: «وكان أول من فعل ذلك بالموصل الشيخ عمر بن محمد الملا أحد الصالحين المشهورين وبه اقتدى في ذلك صاحب إربل وغيره رحمهم الله تعالى «وذكر ابن كثير ما يفعله صاحب اربل في الاحتفال بالمولد فقال : «قال السبط: حكى بعض من حضر سماط المظفر في بعض الموالد كان يمد في ذلك السماط خمسة آلاف رأس مشوي وعشرة آلاف دجاجة ومائة ألف زبدية وثلاثين ألف صحن حلوى. قال: وكان يحضر عنده في المولد أعيان العلماء والصوفية فيخلع عليهم ويطلق لهم ويعمل للصوفية سماعاً من الظهر إلى الفجر ويرقص بنفسه معهم..» في البداية والنهاية وهذا يدلك على اهتمام الساسة به، وقد ذكر الجبرتي إن نابليون كان يحرص على حضور هذا الاحتفال ودعمه بالمال، ليتقرب إلى المسلمين ويظهر ودهم،. وتجد أن بعض الأجانب يحرصون على حضور هذه الأماكن وتوثيقها إلى يومنا هذا. والحقيقة الثانية :- أننا إذا نسبنا هذا إلى دين الله تعالى وتقربنا به صار تشريعاً والله تعالى يقول في سورة المائدة «الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الْإِسْلَامَ دِينًا فَمَنِ اضْطُرَّ فِي مَخْمَصَةٍ غَيْرَ مُتَجَانِفٍ لِإِثْمٍ فَإِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ «3» وعن عائشة رضي الله عنها قالت: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «من أحدث في أمرنا هذا ما ليس فيه فهو رد». البخاري برقم 2550 عن عرباض بن سارية قال: - صلى لنا رسول الله صلى الله عليه وسلم الفجر ثم أقبل علينا فوعظنا موعظة بليغة ذرفت لها الأعين ووجلت منها القلوب قلنا أو قالوا يا رسول الله كأن هذه موعظة مودع فأوصنا قال أوصيكم بتقوى الله والسمع والطاعة وإن كان عبدًا حبشيًا فإنه من يعش منكم يرى بعدي اختلافًا كثيرًا فعليكم بسنتي وسنة الخلفاء الراشدين المهديين وعضوا عليها بالنواجذ وإياكم ومحدثات الأمور فإن كل محدثة بدعة وإن كل بدعة ضلالة. والحقيقة الثالثة أن هذا المولد من أكبر مظاهر التفرق في هذه الامة حيث تجد كل طريقة لا ترضى بأخرى تختلف معها في الاذكار والمشيخة، وطريقة الذكر وطريقة التعبير مع أن الكتاب واحد والرسول صلى الله عليه وسلم واحد ففيم الاختلاف مع ان التفرق في الدين من صفات المشركين لا المسلمين كما في سورة الروم «مُنِيبِينَ إِلَيْهِ وَاتَّقُوهُ وَأَقِيمُوا الصَّلَاةَ وَلَا تَكُونُوا مِنَ الْمُشْرِكِينَ «31» مِنَ الَّذِينَ فَرَّقُوا دِينَهُمْ وَكَانُوا شِيَعًا كُلُّ حِزْبٍ بِمَا لَدَيْهِمْ فَرِحُونَ «32» محمد بابكر المنصوري