استغرقت مفاوضات الدوحة عشرات الشهور كان المفاوضون خلالها من كافة الأطراف يقيمون في أرقى الفنادق مع إعاشتهم وأنفقت عليهم القيادة القطرية بكرم حاتمي وسخاء أصيل إنفاق من لا يخشى الفقر.. وفي الدوحة تم تجميع عدد من الحركات الدارفورية في تنظيم واحد أُطلق عليه اسم حركة التنمية والعدالة التي وقَّع رئيسها دكتور التجاني السيسي في نهاية المطاف على وثيقة الدوحة التي وُلدت بعد مخاض عسير وبالتوقيع عليها أُزيل عن كاهل القيادة القطرية الكريمة عبء ثقيل. لقد أضحت دارفور منذ انطلاق شرارة التمرد الأولى محط إهتمام العالم بسبب الآلة الاعلامية الغربية الاخطبوطية وظلت دارفور لعدة سنوات مضغة في الأفواه وكانت تتصدر النشرات والتقارير الاخبارية في كافة الاذاعات والفضائيات العالمية واستغلت كثير من المنظمات الأجنبية المعلومات المضللة المضخمة والصور المنشورة عن الجوع والتشرد والنزوح وتبارت في جمع التبرعات مستعطفة المتبرعين بشعارات إنسانية دغدغت بها عواطفهم وخاطبت بها «جيوبهم» وانهالت عليها كالمطر المنهمر الأموال الطائلة والتبرعات العينية الضخمة والمواد الغذائية ولا أحد يعرف بالضبط مقدار ما جمعته وكم صرفت وقدمت منه لمعسكرات النازحين.. وكم بلغت منصرفاتها الإدارية ولعل كثيراً من تلك المنظمات الأجنبية قد تاجرت بقضية دارفور وأثرت من ورائها ثراءً فاحشاً حراماً ولذلك تتمنى أن تستمر هذه المعسكرات وتتخذها «كمسمار جحا» وأدوات ضغط ومساومة رخيصة . وقد خفّت الآن بل كادت أن تخمد تماماً تلك الضجة الإعلامية العالمية الصاخبة عن دارفور وأضحت كالزبد الذي ذهب جفاءً. وتنفيذاً لما تم الاتفاق عليه في الدوحة أصدر السيد رئيس الجمهورية قراراً بتعيين دكتور التجاني السيسي رئيس حركة التنمية والعدالة رئيساً للسلطة الإقليمية بدارفور وبعد عودته أدى القسم أمام السيد رئيس الجمهورية ونتمنى له التوفيق والسداد، وكما هو معروف فهو أستاذ جامعي وله سابق تجربة في الحكم إذ شغل موقع حاكم دارفور الكبرى بالتعيين لمدة عام ممثلاً لحزب الأمة قبل مجيء نظام الانقاذ وعمل بعد ذلك باحدى منظمات الأممالمتحدة وإن خصومه من الحركات المسلحة «الذين سيبذلون قصارى جهدهم لمحاربته ووضع العراقيل أمامه والسعي لافشال مهمته» يصفونه بأنه كان معارضاً من ذوي الياقات البيضاء إذ لم يدخل سجناً أو معتقلاً ولم يحمل سلاحاً وليس له وجود يذكر في الميدان وفي تقديري ان هذا شيء يُحسب له وليس عليه إذ ليس في عنقه إراقة دماء أو قتل أبرياء. وان الوصول للسلطة ليس غاية ولكنه وسيلة لتحقيق الغايات وخدمة الآخرين لا لبناء مجد شخصي وأعداء السيسي وخصومه يرددون همساً وجهراً انه وصل للسلطة بطريقة سهلة ناعمة ويذهبون أكثر من ذلك بأن عملية تجميع عدد من الحركات في حركة واحدة هي صنيعة انقاذية ولكن تصريحات بعض أعضاء وفد المقدمة وبعض عباراته هو شخصياً فيها شيء من الثقة والاعتداد بالنفس إذ ظلوا يرددون أن شراكتهم مع الإنقاذ ستكون شراكة حقيقية وضع عدة خطوط تحت كلمة شراكة أي أنهم كيان قائم بذاته له شخصيته الاعتبارية واستقلايته. وفي العبارات المشار اليها إشارة مبطنة لأن تجربة اركو مناوي مساعد أول رئيس الجمهورية السابق ورئيس السلطة الدارفورية السابق الذي خرج غاضباً وتمر مرة أخرى بدعوى أنه لم يكن يمارس سلطات وصلاحيات تذكر وظل يردد في أيامه الأخيرة في السلطة ساخراً انه كان مجرد مساعد حلة وفي كلمات السيسي إيماءات وإشارات لأنه لن يصبح مساعد حلة، ومما يجدر ذكره أن السيد مناوي عمل في ظروف مالية أفضل ووجد دعماً اكبر ابان عهد التدفقات المالية من عائدات النفط ولكن السيسي تسلم موقعه في أيام انحسار تلك التدفقات المالية النفطية وسيشهد عهده بالضرورة شحًا وتقتيرًا في الصرف.. ولا يزال البعض يشغلون مواقع في عدد من المفوضيات الدارفورية بعد توقيع اتفاقية ابوجا فهل من حقهم الاستمرار في مواقعهم أم يتم استبدالهم وبهذا تجُب الاتفاقية الدوحة اتفاقية أبوجا وجاء في الأنباء ان حركة التنمية والعدالة ستمنح مواقع في الحكومة الاتحادية وان رئيس السلطة الاقليمية الدارفورية يرأس خمسة عشر وزيراً اقليمياً «غيرت التسمية تحت ضغط حركة التنمية والعدالة في اللحظات الاخيرة قبل التوقيع على وثيقة الدوحة من مفوض لوزير» وليتهم أبقوا على تسمية المفوضيات والمفوضين تحاشياً لخلق جهاز جديد تكون سلطاته هلامية ويصطدم بغيره من السلطات وتم الاتفاق أن يتم اقتسام هذا العدد من الوزراء الاقليميين بين حزب المؤتمر الوطني وحركة التنمية والعدالة أي من حق دكتور السيسي اختيار سبعة وزراء وهنا ربما تواجهه معضلة إذ أن عدد الفصائل التي يضمها تنظيمه كبير بالإضافة للموقعين الآخرين على وثيقة الدوحة وعدد الوظائف محدود وبالطبع ان الكثيرين في انتظار الاستيزار أو اعتلاء مواقع أخرى هنا او هناك فكيف يرضيهم السيسي جميعاً وكل حركة تريد ان تأخذ نصيبها وتريد أيضاً دمج مقاتليها في القوات النظامية ولكل حركة من الحركات المكونة لحركة التنمية والعدالة وضعها الخاص واذا أحست بأنها لم تأخذ حقها بالتساوي مع الآخرين ربما تعلن تخليها عن الحركة وبالتالي يؤدي الشد والجذب لحدوث تشققات في جدار الحركة قبل تثبيت أقدامها في الداخل واقامة تنظيم سياسي يجمعها توطئة لخوض الانتخابات القادمة لاكتساب شرعية دستوية عوضاً عن الشرعية الانتقالية الاستثنائية التي أملتها اتفاقية الدوحة وبموجبها تم الاتفاق على اشراك حركة التحرير والعدالة في السلطة علي المستويين الاتحادي والاقليمي ويوجد في دارفور الآن ثلاثة ولاة منتخبين وثلاث حكومات ولائية وثلاثة مجالس ولائية وعلاقة هذه الحكومات والأجهزة الولائية مباشرة مع الحكومة الاتحادية والرئيس المباشر للولاة الثلاثة هو السيد رئيس الجمهورية ولئلا يحدث اصطدام بين السلطتين الاقليمية والولائية من جهة وبين السلطة الاتحادية والسلطة الاقليمية من جهة أخرى وجب تحديد الاختصاصات والسلطات منذ البداية.. ومن الواضح ان دكتور السيسي يعتبر ان القيادة القطرية هي ظهره الذي يريد أن سيتند إليه لضمان تنفيذ الافاقية ولاريب ان قطر قامت بدور مقدر وأعلنت قيادتها مراراً وتكراراً أنها ستدعم مالياً وانسانياً اعادة النازحين لقراهم وإعادة تعميرها وتعويضهم ولاريب ان التاريخ سيحفظ لقيادة قطر هذا الدعم الانساني الكريم وان الله سبحانه وتعالى لا يضيع أجر المحسنين ومن حق القيادة القطرية أن تقيم مثلاً مفوضية انسانية في دارفور تحمل اسم قطر ومن حقها بعد ذلك ان تفوض دكتور السيسي ليكون مشرفاً عليها او تعهد هذه المهمة لأي مفوض مفرغ تختاره لأداء هذه المهمة الانسانية السامية أما تحديد العلاقات بين السلطات الاتحادية والاقليمية والولائية فهذا شأن داخلي ونتمنى لدكتور السيسي وصحبه التوفيق وينبغي الوقوف على الحقائق وهي عارية من الزيف والمساحيق بلا طلاء خادع واذا استطاع دكتور السيسي وصحبه تصفية المعسكرات وإعادة النازحين لقراهم وإعادة تعميرها وتعويضهم والسعي لكفالة العيش الكريم لهم لكفاه ذلك وحده فخراً وأدخله التاريخ دون حاجة للدخول في شد وجذب ومنازعات مع الآخرين حول السلطات.