بالرغم من الغموض الذي صاحب عملية خصخصة الشركات الحكومية في السابق تجدّدت الدعوة بحسب التوجيهات الرئاسية بالاستمرار في عملية تصفية شركات القطاع العام والتي كشف عنها تقرير اللجنة العليا للتخلّص من مرافق القطاع العام والبالغ عددها 22 شركة حتى الآن، ووجد القرار ترحيبًا واسعًا على مستوى القطاع الخاص الذي ظل يردد أن الحالة الاقتصادية بالبلاد مقيَّدة بسياسات طاردة، إضافة إلى أن خروج الدولة من النشاط الاقتصادي أضحى مجرد أمر غير واقعي وإنما شعارات تُرفع فقط بغرض بث تطمينات بخروج الدولة التي من جانب آخر يؤخذ عليها تفضيل الاستثمار الأجنبي عوضًا عن رأس المال المحلي، ويرى عدد من الخبراء الاقتصاديين أن سياسة خصخصة القطاع العام وأيلولته للقطاع الخاص وما صاحبه من مخالفات إجرائية وقانونية أدّت بدورها إلى تدهور الاقتصاد السوداني في ظل تردد أصوات هامسة أن غالبية تلك الشركات حوت فسادًا كبيرًا في إدارتها وتعود مرة أخرى للحكومة عبر عدة سبل. ويرى عضو اللجنة الاقتصادية بالمجلس الوطني والخبير الاقتصادي محمد إبراهيم كبج أن تجربة الخصخصة جاءت مع حكومة الإنقاذ تميزت بعدة سلبيات مستدلاً بتجربة تصفية البنك العقاري وما صاحبها من فساد فاضح وتصرف في المال العام اتصف بالجرأة على الحق كاشفًا عن تكوين لجنة بغرض التعرف على تجربة الخصخصة السابقة حتى لا تطول الأخيرة على أي مركب دون مقاييس تحكمها وقال ل (الإنتباهة) إن الشركات الحكومية الحالية بها فساد كبير لا تخطئه حتى العين «الرمداء»، وزاد: إن تقارير المُراجع العام تعجّ بأمثلة حول الفساد بتلك الشركات لا سيما تلك التي تعرض ميزانيتها عليه لسنوات عدة امتدت إلى عشر سنوات في بعض الأحيان، وأضاف أنها الآن بصدد أرضية المراجع العام الذي من المفترض أن يكون الحصن الحصين للحفاظ على المال العام، مبينًا أن القرار المطلق حول خصخصة الشركات الحكومية سيلتف من حوله كثيرون أطلق عليهم «التماسيح» في القطاعين ليقع صيدًا سهلاً وثمينًا بين أيديهم داعيًا إلى الحفاظ على بعض الشركات العامة التي تخلق تنافسًا في السوق مع القطاع العام لتمنع جشع بعض رجال الأعمال مناديًا بعدم تمشيط الباقي منها بتنقيتها من ما أصابها من فساد وسوء إدارة مبينًا أن التدخلات الحكومية واجبة وأن شعارات السوق المفتوح التي نصبت نفسها قد أصبحت في خبر كان وأن البلدان الصناعية الكبرى اتجهت إلى الحماية وليس التنافس مستدلاً بالتجربة العالمية بما أصاب اقتصاد الدول من انهيار بنهاية العام 2008. فيما خالفه الرأي الخبير الاقتصادي د. محمد الجاك الذي اعتبر قرار خصخصة الشركات الحكومية وفقًا لسياسة التحرير الاقتصادي جاء بغرض توحيد إدارة الاقتصاد مؤكدًا أن عدم التناسق في السياسات ينعكس سلبًا عليه داعيًا لتحريك الإجراءات لتصفيتها لكنه عاد وقلَّل من أهمية الناتج من عملية التصفية للاعتماد عليه في دفع الاقتصاد الوطني نتيجة لعدم اعمالها بذات المستوى والقدر في الأداء الاقتصادي الذي يتوفر في القطاع الخاص، وقال هنالك شركات حكومية لم يتم خصخصتها بالرغم من توجيهات الإدارة العليا منذ فترة طويلة في ظل سياسة الدولة الداعية إلى ذلك وأضاف أن معظم هذه الشركات يدور الحديث عن تبعيتها للأجهزة الأمنية الأمر الذي يزيد من صعوبة خصخصتها معللاً ذلك بأنها تشكل جزءًا أساسيًا من النشاط الاقتصادي لهذه الشركات وقد تكون مصدرًا من مصادر تمويل أنشطتها المختلفة لافتًا من خلال حديثه ل «الإنتباهة» وجود شركات حكومية لم يتم تصفيتها لاعتبارات سيادية غير مرتبطة بأسباب أمنية مع عدم معرفة عددها، مبينًا قيام شركات جديدة برزت للسطح عقب خصخصة شركات عامة.