ترتقي الأمم بسلوكها الحضاري وتميزها الأخلاقي ووطنيتها وحبها ومحافظتها على وطنها وعلى رفعته والنهوض به لمصاف الدول المتحضرة والراقية التي لم تصل لما وصلت إليه إلا بولائها لوطنها وأرضها وكم رأينا بعض الشعوب تعظم وطنها لحد التقديس فلا تخرج عن ثوبها ولا تدعي ما ليس لها ولا تحاول أن تقلد الآخرين حتى في اللغة، أذكر عند رحلتنا لدولة تركيا حار دليلنا في كيفية التواصل فهم لا يعرفون العربية ولا يتحدثون الإنجليزية فأضحينا نتحدث بلغة الإشارة حتى يفهم البائع ماذا نريد، ولما استفسرنا جاءت الإجابة أنهم يعتزون بلغتهم ولا يتحدثون بغيرها حباً ومحافظة حتى في بعض الدول العربية يتحدث الجميع بلغتهم هم ولا ينسلخون عن جلودهم كأنهم يتبرأون من أصلهم ولسانهم، لكن بعض السودانيين يفعلون، تجد بعضهم وقد تحول للحديث بلغة أهل البلد حتى وإن جاءونا زيارة في بلادنا نتحدث معهم بلهجتهم وطريقتهم كأننا نخجل من سودانيتنا ونحن والحمد لله نتحدث العربية بطلاقة تفوق طريقة البعض ممن نصبوا أنفسهم قادة للعروبة ويكفينا فخراً البروفيسور عبد الله الطيب والشاعر الفصيح فراج الطيب رحمهما الله فليس أدل على فصاحة ألسنتنا من أولئك العباقرة وغيرهم كثر وهذا مثال وليس حصراً، فلا ينبغي أن نكون مثل المنبت لا أرضاً قطع ولا ظهراً أبقى، كثير من الأفعال تندرج تحت معنى الوطنية منها مثلاً محافظتنا على نظافة بلادنا فلو كل شخص حاول تنظيف شارعه وأمام بيته ورمى النفايات بمكب النفايات أو الأماكن المخصصة لذلك، حتماً ستنتقل العدوى بالتكرار لجيرانه فيقلدونه في سلوكه الحضاري، ولن تتقدم الشعوب دون أن يكون سلوكها متحضراً وراقياً فكثيراً ما أرى أعقاب السجائر وبقايا التمباك ومناديل الورق ملقاة بصورة مستفزة في أصايص الزرع داخل المؤسسات الكبيرة أو المصارف والمستشفيات الخاصة التي تحرص على نظافة مبانيها لتكون وجهاً مثالياً يعبر عمن يعملون في هذه المؤسسة أو تلك والأعجب من رمي القمامة بهذه الطريقة المقززة هو رد فعل من يقوم بهذا الأمر حينما يتم توبيخه إن وجد من يوبخه يكون رده «فيها شنو يعني ما عاااادي عملت لي حاجة» وكأن ما فعله ليس بحاجة، الأمر الأكثر إيلاماً أن تجد شباباً متعلماً ويدعي التحضر والرقي من خلال المظهر العام والهواتف الفاخرة تجده يلقي بالقمامة تحت أقدامه ويعبر دون أن يلقي لها بالاً وكأنه لم يفعل شيئاً. قبل عدة أيام كنت وصديقتي نعبر الطريق من الخرطوم لشرق النيل عبر كوبري المنشية، الطريق نظيف وهادئ تسير أمامنا سيارة بيضاء اللون فيها عدد من الشباب يتناولون قصب السكر وبعض المأكولات الأخرى وحتى يحافظوا على نظافة عربتهم صاروا يلقون ببقايا ما يتناولون عبر نوافذ العربة دون أن يراعوا لمن يسيرون خلفهم وما يسببه لهم هذا التصرف من ضيق، حاولت صديقتي اللحاق بهم لتنبيههم لكنهم كأن على رؤوسهم الطير فاكتفت بأخذ رقم العربة للتبليغ عن هذا التصرف الذي لا يعبر عن سلوك متحضر ولا عن ذوق عام، أخبرتها أنها ستتعب جداً لأن إلقاء القمامة على الطريق العام ليست عليه رسوم حتى يمتنع الناس عن محاولة رمي النفايات، فعامل النظافة يمكنه إعادة التنظيف أكثر من مرة والبعض يستمرون في رمي النفايات في الأماكن النظيفة لن تنتهي هذه التصرفات ما لم يكن هناك واعز من الضمير ورقابة ذاتية تجرم مثل هذه الأفعال ومن ثم فرض رسوم على رمي النفايات في الطريق العام، عندها سترون كل السودان نظيفاً وخالياً من النفايات المزعجة.