قاعة المحكمة ملأى بالحضور ... الحمار على قفص الاتهام تبدو عليه اللا مبالاة ... يدخل القاضي .. ينادي الحاجب بصوت جهوري : محكمة ... يجلس القاضي على الموقع المحدد له . القاضي : الاسم ؟ * الحمار بن الحمار بن الحمار * العمر؟ * ما فاهم حاجة * المهنة ؟ * حماار . * لقد تعرضت بالرفس مع سبق الاصرار و الترصد للمجني عليه الطفل/عبد الرحمن حمدي ... ماذا تقول في التهمة الموجهة إليك ؟ * أولاً ... هذا الطفل تعدّى على حدودي الاقليمية و قد رصدته أجهزة انذاري و هو يتعدّى تلك الحدود ... فزجرته فلم يزدجر ، فما كان مني إلّا أن وجّهت له رفسة مضادة للمشاغلات الاطفالية و رددته على أعقابه مخلفاً وراءه دماءاً من منخره الأيسر . * بصفتك حماراً واعياً و على قدرٍ من الفهم و العقل ... هل كانت هناك تحذيرات مسبقة منك لهذا الطفل ؟ * نعم كانت هناك تحذيرات مسبقة ... فقد وجّهت له نهيقاً شديد اللهجة أعقبته زفرات حَرّى ... كما قمت بإطلاق رفساتٍ على الهواء كإنذارٍ أخير . * أما كان لك أن تتأنّى قليلاً و تَمُدَّ حبل صبرك آخِذاً في الاعتبار سن و عقل هذا الطفل ؟ * أولاً ... أنا لم أتعرّض لأسنان هذا الطفل و لا عقله .. فكل ما فعلته هو توجيه ضربتي القاضية على أنفه فقط بعد تحديد الهدف بدقّةٍ متناهية . هل ترى أن الحمير لها الحق في الدفاع عن نفسها ؟ حتّى الآن لم يكفل لنا القانون حق الدفاع عن أنفسنا و إنما ننتزعه انتزاعا ، و نرى أننا أهل لمثل هذا الحق و حقوق أخرى . * ماذا تقصد بحقوق أخرى ؟ * مثل حق الترشيح للرئاسة ... و قد كان في بعض بلدان العالم ، و حق تكرار النهيق ، و حق المرافسة الحُرّة ، و حق نقد أولئك الذين يقلِّدون نهيقنا عبر أجهزة الاعلام المتخلِّفة و المناسبات بنوعيها . * ألديك أقوال أخرى ؟ * بلى ، أولاً : نحن معشر الحمير عاتبون على فناني الحقيبة و راضون عنهم في نفس الوقت . * كلامك مبهم و يحتاج إيضاحا . * أولاً ، أقدم اعتذاري و أبدي أسفي لأني تفوَّهت بما يحتاج لإعمال العقل و تركيز الفكر فيه حتى يُفهَم على وجهه الصحيح ، و لكن ... لا مانع من الابانة و الايضاح .. أما قولي بأنّا معشر الحمير عاتبون على فنّاني الحقيبة فلأنهم لم ينتبهوا إلى أصواتنا فيقلّدونها كم فعل أحفادهم ، و أمّا قولى بأنّا راضون عنهم فلأنهم كانوا مبدعين بحق و حقيقة و كانوا لا يعتدون على حقوق غيرهم ... فلم نسمع بأن أحدهم كان له صوت كصوتنا و لا أنغاماً كأنغامنا ... أي أنهم كانوا يبتكرون الأنغام و يطلقون بها الأصوات على سجيّتها . * نرجع إلى موضوع المحكمة ... هل هناك دوافع أخرى لتلك الرفسة التي وجّهتها لذلك الطفل ؟ * نعم ... اولاً سمعته و هو يترنّم بترانيم حمارية لإحدى أولئك الدحيشات المستعارات اللائي يُحيين ... أقصد يُمِتن الحفلات الدكاكينية . * و هل هناك أغنية بعينها اثارت غضبك ؟ * الأغاني التي تغيظنا كثيرة و الأغنية التي أثارت غضبي من ذلك الطفل هي : النبق النبق . * و لماذا هذه الأغنية بالذات ؟ لأن عندي أخ لي في الاستحمار يمتطي صهوته أحد أولئك الباعة المتجوِّلون يحمل على ظهره خُرجاً من النبق ... و كان يبرطع في الشوارع و أزِقّة الحارات منادياً : النبق النبق ... فأيقنت أن هذا الطفل من ذاك الرجل و أنه سيأتي يوم و هو على ظهر أحد أحفادي مردداً نفس النغمة ، فقلت لا بدّ من رفسةِ تزرع كراهية تلك النغمة في نفسه فيصرف النظر عن تلك المهنة فأكون بذلك قد ساهمت في تخفيف العبء عن ظهور بني جنسي . * تصفيق شديد من الحضور * القاضي يزجر الحضور بضربتين متتاليتين من شاكوشه طالباً منهم السكوت فلم يزدجروا ، فيرفع القاضي صوته : و لماذا وجّهت ضربتك على الأنف بالذات ؟ * لأن الأنف هو وسيلة الشم ، وأنا أكره الشمشمة ، خاصة شمشمة الأخبار وقد سمعت وأنا على مربطي قُرب دار سيدي مجموعات من النساء يتشمشمن الأخبار (أي يتناقلنها) وكرهت ذلك ، وبما أن هذا الطفل يعد أحد أبنائهن وقد أتاني مشمشماً ، و مراعاةً لبراءته سدّدت له تلك الرفسة علّها تعطِّل تلكمو الحاسّة أو على الأقل تكون له عظةً وتذكرة . * سيادة الحمار ، بما أن كلامك ينضب حكمةً و يتدفّق رجاحة عقل ... فهلّا ألقيت على مسامعنا حكمةً من الحكم التى تؤمن بها وتعمل ؟ * يقول الشاعر وهو من بني البشر أي ليس حمارا .. يقول : ليس الحمارُ بمزعجٍ في صوته *** أبداً كمذياعٍ ببيت حمار تصفيق حاد من الحضور بما فيهم القاضي .... يتحمّس الحمار فيرفع صوته الشجي بالحكمة التالية : وتقليدُ الحمار أشَدّ وطئا *** على الآذانِ من صوتِ الحمار *القاضي : و لكن صوتك أنكر الأصوات كما جاء في القرآن " إن أنكر الأصوات لصوت الحمير " ؟ *تنحنح الحمار و مسح على عرفه بكدره ثم قال : حسب فهمي كحمار لهذه الآية فإنّ الله سبحانه وتعالى إنّما قصد بها زجر الإنسان - و ليس الحمار – عن رفع صوته لأن ذلك منكرا ، فالإنسان هو المؤاخذ في تلكمو الحالة وليس معشر الحمير ، فنرجو فهم آيات الله على وجهها الصحيح . وجّه القاضي سؤاله للحمار قبل أن يرفع الجلسة قائلا : * هل لديك أقوالاً أخرى ؟ أطلق الحمار نهيق النصر وأردف قائلا : أولاً أحب أن ألفت نظر بني الإنسان خاصة سائقي المركبات،العامة منها والخاصة إلى أن كلمة حمار التي يطلقونها زوراً و بهتاناً على أولئك الذين يخطئون في حقّهم أو يخالفون قانون المرور – كأن يشتُم أحدهم الآخر قائلاً : أعمل حسابك يا حمار ، أو إتعلمتها وين يا حمار ؟ ، أو ما شابه ذلك من الألفاظ البشرية المسيئة لمعشر الحمير . فنحن معشر الحمير أكثر خلق الله التزاماً بقوانين المرور لأننا نعرف كيف تستعمل الطريق ، فهل سمعتم بحمار تخطّى سيارة بطريقة خاطئة أو صدمها ؟ أو عبر طريقاً دون أن يتأكّد من خلوّه من السيارات ؟ ، اللهمّ إلّا إذا كان من يتلفّظ بهذا يقصد الاستهزاء بمعشر الحمير ، كقولك للبليد إذا بلغ درجةً عالية من البلادة : يا شاطر . رفع القاضي الجلسة للتداول بعد أن سمح للحمار بتناول بعض البرسيم و جردلاً من المياه لأنه سمع صوت مصارينه و هو يستميت دفاعاً عن نفسه و بني جلدته . يدخل القاضي بعد الاستراحة للنطق بالحكم . * بعد أن استمعت المحكمة لأقوال الحمار واقتنعت بها دون الحاجة لسماع شهود ، قرّرت المحكمة الموقّرة الآتي : براءة الحمار من التهمة الموجّهة إليه والحكم عليه بعشر جلدات فقط لا غير . نهيق مدوٍ من الحمار تعبيراً عن فرحته بالبراءة من دم أنف عبد الرحمن و قد طفق يرفس الأرض بأكداره الأربع مبتهجاً ، و قائلا : يحيا العدل ، وظل يرددها مراتٍ و مرّات ، ثم سأل القاضي سؤالاً أخيراً ... قال : حضرة القاضي .... عشر جلدات فقط لا غير ؟ إذا لن يضربني سيدي بعد اليوم أبدا .