(إن مشكلة السلطة ستظل خالدة سواء أن حرثت الأرض بالمعول أو المجرفة) ريمون أرون إن لكل شيء بداية وفي المقابل من الطبيعي تكون له نهاية.. كما أن للبداية أسباب ودوافع تؤدي للنشأة وتكوين الحاجيات.. وتكون أيضاً للنهاية أسباباً ومبررات أقوى مما في البداية.. لأن النهاية تعني انتهى الشيء كما بدأ أي تعني الدمار أو الأخذ الشديد أو غير المعلوم، كذلك غير محدود.. وهذه النهايات ليست كالبدايات لأنها تتطلب عملية بناء وإنشاء وعمار حتى يظهر للبداية وللأشياء التي تكونت وظهرت النفع.. في كل الحالتين لكل شيء بداية ونهاية.. هنا نحن بصدد العوامل المؤدية لانهيار الدولة السودانية التي قامت على أرضه عبر القرون، وكذلك المماليك التي أوجدت الإنسان على أرض السودان والتي تقول إنها موت محوية ومرد غبي فاضح ليس كما يحدث للأمم الأخرى وهذه الخاصية الغريبة جداً تجعلنا دائماً نبحث عن الذات في شكل الدولة السودانية.. ذلك النظام الذي يشكل على سجيته.. لما نقول إنه قيد التشكيل على الفطرة إذ أنه فيه مقومات ذلك التكوين المتسلسل في النشأة في شكل أطوار التي تكون في الآخر مقومات التشكيل والتكوين.. وهنا نتبع في سطور هذا المقال نهاية الدولة السودانية عبر التطور العمري أو الحضاري أو المتقدم الإنساني الذي ظهر على أرض الواقع لنخرج بدلائل تساعدنا على تفسير ما افتقرته في حقبة لتشكيل الدولة السودانية القادمة الدولة العظمى. ٭ انهيار المملكة النوبية القديمة لم نسمع لها أن أصابها عامل الموت المدمر للدول على الإطلاق.. لا في حالة كارثة طبيعية أو دمار للحروب تلك الأحوال الافتعالية أو الغضب الإلهي.. وإن هذه الحضارات احتفظت بكل مظاهر حياتها إلى اليوم المتجسدة في إهراماتها ومعابدها.. بل في عادات وتقاليد وثقافات وحضارة وصناعات وأرض ثم ثوراتها من جيل إلى آخر.. حيث أن عوامل الفناء في الدولة السودانية دائماً تصيب الفكرة الإنسانية.. أي شكل القوة العظمى المهيمنة على العالمين في أي زمان أو مكان من العصور التاريخية البشرية الفاعلة والمتطورة والمتحضرة.. وهذا النمط من الأنظمة الدولية الذي يطول الموارد البشرية بالانقراض أو الطبيعة بالنفاد لا يحدث لموارد السودان على الاطلاق.. وهذا نوع آخر ومبدأ من مبادئ الحياة يظل يحمل معاني البقاء والوجود للدولة السودانية العظمى والتجديد والتطور. وفي فوق ذلك كله أنه من عوامل التغيير.. والشكل الذي يؤدي للأحسن والأفضل في تكوين الدولة العظيمة.. وعندما نسبق هذا الحديث في السياق المادي والمعنوي الذي يفسر ظاهرة الدولة السودانية لا بد من إيجاد الدلائل والبراهين لكل القول للدولة السودانية العظمى القادمة، وأيضاً لكل ما يقال حتى تكون البينة في هذا الأمر واضحة لا لبس فيها البتة.. وأول شهادة على ما ذهبنا إليه هو على سبيل المثال أي أثر تاريخي في السودان قد يصعب أن تطبق عليه مقولة حضارات سادت ثم بادت تلك السابقة لشاهد بحق وحقيقة على ما قلته حيث انهيار الدولة النوبية القديمة لم يؤدي إلى تلاشيها مطلقاً، ولكن تحولت وتغيرت طبيعياً على ما هو أحسن وأفضل حيث قيل في معرض الحديث عن نهاية الدولة النوبية التي عاصرت الدولة المصرية القديمة الفرعونية التي بادرت بإغراق فرعون وقومه في أليم على سبيل الشرح.. وتبقى لحظات التاريخ في السودان منذ حضارة كوش مروراً بمملكة (نبتة) في الشمال التي ورثتها مملكة الجعليين ومملكة (مروي) في الوسط والتي ورثتها مملكة الشايقية تعبر عن مكمن الحقيقة في مميزات هذه الأرض وامتدادها وتأثيرات تفاعلها مع محيطها الطبيعي والسياسي والثقافي.. وهي لحظات لا يمكن أن تختفي من الذاكرة الثقافية الراهنة التي شكلت قاعدة السودان الحديث مروراً بكل إرهاصات التكوين وملامح التشكيل وتقاسيم النفوذ والثروة عبر سلسلة من الأطماع والنزاعات، هذا الحديث العظيم قادنا إلى معلومة حقيقية وهي أن الدولة النوبية القديمة لم تتلاشى إلى ما لا شيء بل تكونت منها دولتان ومملكتان عظيمتان هما دولة (نبتة) في الشمال السوداني كما ذكرت ودولة (مروي) في الوسط إبان الحضارة الكوشية التي كانت نتاج الحضارة اليهودية عن أرض الميعاد كما يزعمون في فترة حكم داود عليه السلام ومن بعده ابنه نبي اللَّه سليمان ومن خلفهما ملوك قضى عليهم البابليون ثم الرومان في الفترة الزمنية التي عاصرت فيه الدولة السودانية (الكوشية) بعدما غابت الشمس عن الدولة الفرعونية المصرية القديمة وعليه انتهاء الدولة النوبية القديمة وكان هذا الانتهاء أي ما هو أفضل والتي تكونت منهما دولتان في شمال السودان النوبي القديم دولة (نبتة) حيث بعانخي ملك النوبة العظيم وخلفه ترهاقا.. ثم دولة مروي في الوسط على الجنوب وحضاراتها في العهد القديم التي اشتهرت بالمدارس وأسلوب التدريس المنفرد. كما اشتهرت بأكبر وأعظم مصانع انصهار الحديد والذي كان يصل إلى أصقاع الدنيا كلها.. هكذا السودان الدولة العظمى والسيادة وريادة الدولة فيه والذي يحدث فيه صراعات الحضارات الطامعة في موارده البشرية والطبيعية يؤدي إلى الدولة العظمى فيه والرائدة في عصره وهذا من الأسباب العظيمة في حياة الأمم وقيام الدول حيث يكون تدهور الدولة أو الدول يؤدي إلى قيام دولة عظيمة في أرض واحدة أو سودان واحد واعد أو عدد من الدول التي تحمل سياجاً محدداً أو فكرة محدودة، ومن الأفكار السائدة في حضارة العالم في أي عصر من العصور وهذه الخاصية الفريدة التي أدت إلى أن أقول وأفترض أن السودان الدولة العظمى القادمة مشطراً أو متجزءاً فكلا الحالتين المستقبل واحد والافتراض واضح وواحد قيام سودان جديد. وبعدما تطرقت إلى الدولة النوبية القديمة وما عاصرها من حضارات سادت ثم بادت كالحضارة المصرية الفرعونية القديمة السابقة الحضارة التي عاصرت حضارة بلاد ما بين النهرين واللتان قضت عليهما الحضارة الفارسية وعليه كذلك الحضارة اليونانية هي الأخرى كان لها دورها في حل الحضارة المروية والنبتية لكثير من الحضارات للمعالم الحضارية أي أن غزت دولة أكسوم الحبشية دولة مروي وهزمتها لما بلغ الترف في تلك الدول شأنها عظيماً والترف من الأسباب الرئيسة لانهيار الدول.. حيث الأطماع الخارجية في دول الجوار تكون هي من أهم الأسباب في تفكك الدول.. حتى أتى عهد حضارة ما بعد التاريخ أي التاريخ الميلادي.. حيث قامت في السودان ثلاثة مماليك في القرن الثالث والرابع والخامس الميلادي وهي مماليك مسيحية على أنقاض مماليك (مروي ونبتة) ذات الحضارة الكوشية القديمة وهي على التوالي دولة كزينا في أقصى الشمال من الشلال الثالث إلى ما بعد الأول، ثم دولة (المجرة) التي تضم من الشمال جنوب الشلال الثالث إلى منطقة قري (الحلفايا) جنوباً وتعني مملكة (مروي) القديمة الوسطى من قري في الشمال إلى منطقة جبل أولياء على النيل الأبيض وسوياً على النيل الأزرق قامت دولة علوة المسيحية وعاصمتها سوبا شرق الأثارية.. هكذا تلاشت أو اندثرت دولتا (مروي ونبتة) القديمتان.. أمام المد الفكري والثقافي الحضاري المسيحي بعد انتشاره في أرض السودان جنوب الصحراء أي أرض نوبيا أو بلاد النوبة ومساكنها القديمة التي تأثرت بكل الحضارات الشرقية أو العالمية القديمة لعهود ما قبل الميلاد إلى أن تكون النظام الجديد العالمي آنذاك الدولة المسيحية فاعتنق السودان المسيحية حيث أضافت إلى السودان أبعاد مهمة للغاية ألا وهي بعد جعلت من المسيحية مفهوم الإمبراطورية كنظام للعالم في شكل أنظمة فكرية وسياسية ودينية تكون في السودان ثلاثة أنظمة على أنقاض دولتا النوبة القديمة.. والبعد الثاني أن النظام الجديد أضاف إلى القديم زيادة في الأرض جنوباً وعدد الأنظمة بعد أن كان ينحصر في دولتي (مروي) في الوسط ودولة (نبتة) في الشمال. أما دولة علوة المسيحية فكانت في أقصى الجنوب في أراضي مملكة (مروي) التي قامت عليها دولة المجرة المسيحية.. بالإضافة إلى أرض الحلفايا والمقرن وسوبا للملكة النوبية القديمة.. وعلى هذا الأساس نجد أن من أهم أسباب انهيار الدولة في السودان هو الفكرة الحضارية الحديثة التي تجد التجربة العميقة لدى الشعوب أو رواد تلك الفكرة وتكون هي أسباب الحضارة الراقية ذات الفائدة القائمة على التجربة الإنسانية الصحيحة ولم تنتقل إلى السودان إلا بعد ما تنال حظاً وافراً من الاستخدام البشري ومن ثم أن تتجزر في الشعب السوداني وتتعمق فيه هنا يتم التحول لها تلقائياً.. وهنا تتجلى قيمة المعاني العظيمة التي توضح بجلاء عمر الدولة المسيحية التي ورثت الدولة (النوبية القديمة) البالغة بعد ظهورها سبعة قرون من الزمان حاسمة على أرض السودان. ومن أهم أسباب انهيار الدول عن أرض السودان لا يمكن أن يحدث للدولة المكونة عليه إلا إذا وجدت مقومات الدولة في فكرة حديثة فاقت سابقتها حيث تنتقل لها معالم النظام الحديث الذي سوف يكون هو الأفضل من سابقه.. وهذا ما دعاني إلى أن أجزم عن أن السودان قادم لتغيير المعايير في ميزان القوة العالمية. ٭ ظلت الممالك المسيحية قائمة بعد ظهور الإسلام وغزوه للدنيا القديمة كلها بما في ذلك مصر وشمال إفريقيا واستيلائه على كامل جزيرة العرب وبعد أن قضى على أعظم الإمبراطوريات عالمية (القادسية والرومانية) بل كون له بعد الخلافة الرائدة في تكون دولته دولتان الدولة الأموية بمفهوم الدولة والدولة العباسية التي أعقبتها والتي قضى عليها التتر ثم الحروب الصليبية ومن ثم عهد المماليك وحتى القضاء على الدولة الأندلسية في أوربا الغربية والتي هي إسبانيا حالياً.. وفي بداية القرن السادس عشر الميلادي وفي (1504م) حيث بدأت تلك المماليك المسيحية في السودان تتلاشى فاسحة المجال للدولة الإسلامية بالقيام وكانت من أهم أسباب انهيار تلك المماليك انتشار الإسلام في بلاد النوبة وعن مدى سبعة قرون من ظهور الإسلام حيث تكون خليط الدم العربي النوبي كالحلفاويين والمحس والدناقلة في دنقلا العجوز عاصمة دولة المجرة. أما المحس والحلفاويين في ما جاور تلك عاصمة مملكة (كترينا).. والجعليين ورثوا مملكة (نبتة) القديمة الشايقية ورثوا مملكة (مروي) القديمة.. ومشايخ العبدلاب ورثوا دولة (علوة) المسيحية.. حيث قبائل الفونج المنحدرة من أعلى الهضبة الإثيوبية مع مجرى النيل الأزرق والقبائل العربية الوافدة من الجزيرة العربية والتي قطنت منطقة الجزيرة الحالية وكذلك على ضفتي النيل الأبيض طلباً للكلأ والرعي.. قبائل البجا التي خالطت العنصر العربي في ساحل البحر الأحمر وفي منطقة سواكن مصوع ومنطقة البطانة ونهر عطبرة طلباً للكلأ والرعي وهرباً من الاضطهاد السياسي.. هذا الخليط مع انتشار الإسلام في مماليك قديمة أدى إلى نهاية المماليك المسيحية القديمة وذلك لعدة أسباب وهي عن سبيل المثال أن الكيان الحديث لا بد له من تكوين دولة على أسباب سياسية واجتماعية واقتصادية وثقافية ودينية بعد ما توفرت لها الغلبة، بالإضافة إلى السلطة التنفيذية والإدارية والقانونية والتنظيمية التي ورثت المماليك المسيحية المنتهية ولايتها في السودان في القرن السادس عشر الميلادي والذي أدى هذا الانتهاء إلى سيطرة الإسلام في كل من أرض الفونج والبجا في الجنوب والشرق.. وكذلك قيام الدولة الإسلامية في غرب السودان متمثلة في مماليك الفور وحضارة وادي هور في القرن الرابع عشر الميلادي قبل قيام السلطنة الزرقاء الوريث لمملكة علوة والمجرة المسيحية.. هذا السياج البشري والفكري المتكامل من جميع النواحي أدى إلى نهاية المماليك المسيحية القديمة عن أرض السودان وبعد ما قام للدين إمبراطورية سادت العالم كله.. وجدت في السودان دورًا عظيماً عوضت الإسلام عن كثير مما أفقده في عصور كدولة الفونج الراعية لمقدسات الإسلام عندما كان الإسلام يغير تغييراً جذرياً في أوربا الغربية في بلاد الأندلس وأباح الخلافة العثمانية حيث دارفور بلاد المحمل والراعية للمقدسات الإسلامية. ٭ إن من عظمة أرض السودان أنها كما تحدث فيها أسباب انهيار الدولة للعوامل الطبيعية وخمول الفكرة الإنسانية المحركة لنظامها وتتوقف عملية النمو والتطور فيما تقضي بأحدث منها سناً تلك التي انتهت ومن عوامل الموت تكون فيها الحياة جامعة. ومن عوامل الفناء ينبت الزرع والضرع من جديد ليعجب الزراع والرعاة حتى يشتد عوده ويستوي عن سوقه في نظام جديد متكامل أقوى وأحسن مما هو في سابقه ليس عن المستوى الداخلي فحسب بل على محيطه المحلي والإقليمي والعالمي.. إنه هو السودان أرض الحياة الخصبة وأرض الحضارات وأرض الديانات وأرض المملكات.. وأنه سيظل ينتصر عن المحن وفي كل العصور ويكون منها مقومات الحياة المؤدية إلى الحياة الحضارية العظيمة من طبيعته وصوره الخلابة وخصوبة إبداعات إنسانه وتطوره ونموه وطهره.. هكذا اعتاد السودان وعن طول تاريخه وأزمانه وحضاراته ومماليكه أنه الدولة العظمى القادمة بإذن اللَّه. لأنه الهاضم للحضارات الإنسانية وأفكارها وثقافاتها.. وهذا هو الذي دعاني لأن افترض هذه الفرضية (السودان الدولة العظمى القادمة) حيث إنه لكل حضارة من الحضارات من واضعي خطواتها الأولى ومؤسس سفرها الأول لكي يكون نبراساً للأجيال القادمة مبتدع ومضيء للشموع في عام جديد وقرن قادم مع بداياته في ألفيته الثالثة بجيل جديد ومرحلة جديدة قادمة بإذن اللَّه قائل لكل أصقاع الدنيا (العالم) هاؤم إقرأوا مقالي وفرضي الذي افترضته والذي يشير بقيام الدولة العظمى عن أرض السودان وذلك للصراع الأزلي ما بين الفكر العلماني والفكر الصحيح الأزلي القائم عن أصل الدين الخاتم نموذجاً للديانات كلها وكفى وما زلت مع أسباب انهيار المماليك والدول وتجدد الفكرة القائمة على الافتراضية وعلى الحقيقة المؤدية لدولة جديدة عن نمط حديث فيه من الأسباب الثقافية والاقتصادية والدينية عبر سلطته التنفيذية والسياسية والإدارية أفضل وأحسن مما سبق إنه هنا السودان الدولة العظمى القادمة إن شاء اللَّه.