كعادتها في التركيز على عكس معاناة المواطنين بولاية الخرطوم سواء بالكوارث الطبيعية أو الناتجة عن سلوكيات بعض الناس فقد أفردت قناة الخرطوم الفضائية مساحة إحدى حلقات برنامج «لقاء اليوم» لإجابات الأمين العام لصندوق إعانة المتأثرين من سيول وفيضانات العام 2013م الأخ محمد عبد الله شيخ إدريس.. ذلكم الرجل الذي كان على رأس نقابة الطلاب السودانيين، وفي عهده اهتمت النقابة أو الاتحاد العام للطلاب السودانيين بمعاناة المتأثرين بالسيول والأمطار في بعض ولايات السودان الأخرى، لذلك هو لم يبدأ العمل على إغاثة المتأثرين هنا في ولاية الخرطوم. ولتعميم الفائدة نقول بأن صندوق إعانة المتأثرين من سيول وفيضانات العام 2013م كان قد انشأته حكومة ولاية الخرطوم لتعين من خلاله مواطني الولاية الذين تأثروا بشكل كلي وجزئي أيضاً في بيوتهم أو في مرافقهم الخدمية في المنطقة مثل المراكز الصحية والمدارس والمساجد ومراكز خدمات المواطنين. وتقول ولاية الخرطوم حسب متابعاتها بالوسائل العلمية بأن خريف العام 2013م تأثرت به ولاية الخرطوم أكثر من غيرها من الولايات الأخرى وأن تأثيرها فاق أمطار وسيول العام 1988م بنحو «50» ملم كأعلى معدل خلال الثلاثة عقود الأخيرة، ويقول هذا التقرير الرسمي إنه بذلك كانت الآثار السالبة على مستوى السكن كبيرة، وتأثيرها على مستوى الخدمات الأخرى والزراعة جزئياً. وإذا عدنا إلى المقارنة في التأثير بالسيول والأمطار بين ولاية الخرطوموالولايات الأخرى العام الماضي، بحيث كانت نتيجة المقارنة أن الخرطوم هي الأكثر تأثيراً وتضرراً فهذا بالطبع يعود بالدرجة الأولى إلى تأثير الولايات الأخرى بافرازات غياب التنمية الريفية بالصورة التي لا تجعل فروقاً جوهرية بين الإقامة فيها والإقامة هنا في الخرطوم للمواطنين. وليس هناك ما يدعو بالضرورة إلى أن تكون للإقامة في الخرطوم ميزة عليها في بقية الولايات التي هجرها بعض مواطنيها وغادروا أحياءهم السكنية «وفرقانهم» هناك الآمنة من مؤثرات الأمطار والسيول ليستقروا هنا في الوديان ومجاري السيول. لذلك كان من الطبيعي أن تتأثر ولاية الخرطوم في مساكن المواطنين بالأمطار والسيول أكثر من بقية الولايات. لقد جاء المواطنون إلى هنا هرباً من الضائقة المعيشية ليجدوا «الضائقة المناخية» إنه فصل الخريف إنه موسم الشوق الحلو لكنه هنا في الخرطوم يجعل من يغادرون مناطقهم الحبيبة إلى أنفسهم بسبب مشكلة التنمية الريفية تنطبق عليهم المقولة الشهيرة «العدو خلفكم والبحر أمامكم». هكذا كان حال المتأثرين، والملاحظ أن قرى ومناطق الولاية القديمة جداً التي يقطنها البطاحين والأحامدة والجموعية والمسلمية لم تتأثر بالأمطار والسيول، وهذا يعود لقدمها الذي يصل إلى عمق مئات السنين. وكل هذه المعلومات وغيرها لا بد أن تأخذها ولاية الخرطوم في الاعتبار حتى لا تضطر لإنشاء صندوق إعانة للمتأثرين من سيول وفيضانات هذا العام. أولى أن تحول الأموال التي تُرصد للإعانة إلى الخدمات الصحية والتعليمية، وإلى التنمية الريفية حتى لا يكن الفرق بكل هذه السعة بين الأوضاع المعيشية في الخرطوم وفي الولايات ليضطر مواطنو الأخيرة للإقامة هنا في الوديان ومجاري السيول لمجرد أنها تقع قرب مرافق ووسائل الخدمات وطرق الاسفلت. إن البلاد تحتاج إلى وزير تنمية ريفية أكثر من حاجتها إلى صناديق الإعانة. وقد كان في فترة قصيرة في «عهد نميري» السيد عثمان أبو القاسم وزيراً للتنمية الريفية والتعاون، كانت الفكرة لإنشاء هذه الوزارة رائعة لكن للأسف جعفر نميري لم يكن محظوظاً في اختياره لوزراء ومساعدين ومعاونين باستثناء علي شمو وشريف التهامي وبدرية سليمان وأحمد عبد الرحمن والرشيد الطاهر بكر. إن لصندوق إعانة المتأثرين بالخريف الماضي إستراتيجية لحصاد ونثر مياه الأمطار، لكن السؤال هنا هل سيقوم الصندوق بتحويل الوديان التي هي جزء من الطبيعة إلى أراضٍ مستوية مع الأحياء والقرى التي لم تتأثر؟! هذا طبعاً غير قابل للتطبيق. لذلك لا بد أن يكون الحل بطريقتين، أولاً التنمية الريفية حتى لا تكون الوديان ومجاري السيل في الخرطوم ضمن الخطط الإسكانية. الأمر الثاني أن يتحول أهالي المرابيع والكرياب وسوق أم ضواً بان وطيبة الكبابيش ومناطق أخرى في كرري وأمبدة إلى مناطق مرتفعة حتى ولو كانت بعيدة مثل ود حسونة وأبو قرون والمسلمية غرب الأحامدة فتلك آمنة.