إذا كان الدخول إلى ساحة المؤتمر الوطنى أمراً مألوفاً والانشقاق من الأحزاب الأخرى والانضمام إلى صفوفه أيضاً أمراً عادياً ليس على مستوى الأفراد والجماعات بل حتى القبائل بأكلمها، فقد قرأنا قبل سنوات انضمام قبيلة بأكلها إليه، بيد أن غير المألوف أن تنشق عن الحزب الحاكم الزعامات المعروفة فإذا استثنينا خروج د. الترابي وعدد من مناصريه وتكوين حزب المؤتمر الشعبي، فإن خروج قيادات بارزة من الوطني لم تكن أعدادها كبيرة طوال تلك السنوات، بيد أنه ابتداءً من السنوات الأربع الماضية انشق عدد من قيادات الحزب، فبدر الدين طه العائد من الشعبي إلى صفوف الوطني لم يلبث أن ترك الحزبين ثم كان أبرز الخارجين هو القيادى الأبرز د. غازي صلاح الدين والأستاذ حسن رزق وقبلهما الأستاذ مبارك الكودة وهو قيادي معروف في المؤتمر الوطني وعضو هيئة علماء السودان، حيث شق عصا الطاعة منذ عام 2008م حينما اختلف مع د. المتعافي والى الخرطوم، وكان الكودة يشغل وقتها منصب معتمد الخرطوم حيث تحدث بغضب عن أسباب الخلاف الذي كان بسبب موقف «كركر» بالخرطوم، وقال إن الأسباب الحقيقية التي عجلت بإعفائه هي خلافات حول عطاء بقيمة «22» مليون جنيه لتشييد الموقف الجديد، واتهم الوالي بالتغول على صلاحياته، وأعلن الكودة رفضه الانتساب إلى المؤتمر الوطني والعمل مع المتعافي. وقال الكودة قبيل عودته إلى ماليزيا أن المتعافي أراد أن يفرض رأيه بأن يؤول العقد لشركة أخرى لم يسمها وأكد رفض المحلية بكل مؤسساتها لهذا التدخل، وعدم رغبته في العمل فى ولاية الخرطوم مطلقاً مع والى الولاية عبد الحليم المتعافى آنذاك، قائلاً: قررت أن أميل الى الشعب السودانى وليس للمؤتمر الوطنى، وأضاف قائلاً: جئت لأبرئ ساحتى التى تعدت عليها الولاية، واصفاً ان جملة المبالغ المتفق عليها سنوياً مع الشركة «22» مليون جنيه أرادت الولاية التدخل فيها. وأرجع معتمد محلية الخرطوم المقال مبارك الكودة، سبب اعفائه من منصبه من قبل والى ولاية الخرطوم الدكتور عبد الحليم اسماعيل المتعافى الى خلاف حول العطاء لإنشاء موقف السكة الحديد الجديد الذى وقع لشركة «كركر» التجارية، وقال الكودة إن والى الخرطوم تدخل وأراد ان يفرض رأيه بأن يؤول هذا العقد لشركة أخرى لم يسمها ولكن المحلية بكل مؤسساتها رفضت هذا التدخل، وهذه هى المشكلة، إذن تلك هي سحابة الغضب الأولى فماذا عن الأخيرة، فقبل حوالى أربعة أشهر أخرج مبارك الكودة بخاراً ساخناً عبر صفحة الحراك الإصلاحي بالفيس بوك حيث أتهم الإنقاذ بالتنكر لمرجعياتها الأولى عبر مشروعها الحضاري وقال: «ماذا تعني هاتان الكلمتان على أرض الواقع. وكيف ينفذ المشروع، وما هي مقتضياته وأدواته ولوازمه الضرورية، وكل ذلك غير معلوم وغير متفق عليه، وأقولها صادقاً ظللت في الإنقاذ قيادياً تنفيذياً منذ قيامها، وكنت مهموماً بعملية التغيير الاجتماعي ولكني لم أحصل على تعريف واضح المعالم لمصطلح المشروع الحضاري، كما لم أجد شخصين لسفينة الإنقاذ يتفقان على معنى واحد لهذا المصطلح المقدس، وكل يفسر ويعمل على هواه واجتهاده. واتهم الإنقاذ بأنها كانت بلا برامج واضحة طوال تلك الفترة، وانتقد الموازنات القبلية والسياسة الخارجية، لكن بعيداً عن هواء الكودة الساخن وغيره فإن الكثيرين يتساءلون عن رد فعل الحزب الحاكم ومدى جديته حول دعاوى الإصلاح بعيداً عن فوبيا الخوف من النقد ومخاوف التغيير، وهو سؤال ربما لم يجد له الكثيرون إجابات واضحة رغم تمدد تيارات التصحيح والإصلاح حتى الآن.