من أكثر الظواهر السالبة وغير المريحة بولاية الخرطوم هي ظاهرة التسول والتشرد التي انتشرت بصورة مخيفة ومقلقة في آنٍ واحد، ففي كل محطة أو استوب أو محل تجاري تجد عدداً من المتسولين والمتشردين الذين يتخذ بعضهم الخطف وسيلة للتكسب بدلاً عن السؤال المعتاد، وكثير من الحلول التي تم طرقها لإنهاء هذه الظاهرة لم تجد نفعاً بدليل التزايد المستمر لأعداد المتسولين والمتشردين، قد يكون بعضهم في حاجة ماسة وحقيقية للمساعدة لكن البعض منهم امتهنها مهنة واستمر فيها والبعض يستغل إعاقته للتسول أو يتم استغلال بعض المعوقين للتكسب ولاستدرار العطف من المارة، هذا لا ينفي وجود من لا يستطيعون العمل نسبة للإعاقة لكن لا يمكن أن تكون إعاقته سبباً في التسول، ولاية الخرطوم وفي إطار محاولتها لإنهاء هذه الظواهر السالبة صاغت مشروعاً لقانون مكافحة ومعالجة التسول والتشرد بالولاية لسنة 2013م، وهو قانون أجازه المجلس التشريعي بالولاية ووقع عليه الوالي ويعمل به من تاريخ التوقيع عليه وتسود أحكامه في حالة التعارض مع أحكام أي قانون آخر بالقدر الذي يزيل ذلك التعارض بينهما، الملفت في القانون ان الفصل الثاني الفقرات«7،6،5» تحظر على أي شخص التسول والتشرد أو التحريض عليهما أو استغلال الآخرين، كما لا يجوز لأي شخص جمع التبرعات أو الصدقات دون الحصول على إذن مكتوب من الجهات المختصة، ويحظر على أي شخص إدارة أي عمل منظم أو غير منظم بغرض التسول، كل هذه الفقرات تتم يومياً وعلى عينك يا تاجر، فالتسول أصبح تجارة رائجة ومربحة وأذكر أني وصديقتي كنا في إحدى المؤسسات عندما جاء متسول كبير السن يتسول بطريقة تثير العطف والشفقة ولما همت صديقتي بإخراج ما فيه النصيب أخبرها أحدهم بأن هذه مهنة لهذا الرجل وأن هذا الرجل فاجأه حينما رآه يقف تحت إحدى العمارات يوجه في العمال فسأله قائلاً «هل أصبحت مقاولاً ؟» فرد عليه «بل العمارة ملكاً لي فلما رأى دهشتي وهو يعرفني ويأتيني دوماً رد بأن هذه مهنته ولن يتركها وهو يملك ما يجعله يمكث ببيتهم لكنه لن يتخلى عن مهنته»، ولكم أن تتعجبوا يا سادتي إذا تزايد عدد المتسولين والممتهنين لهذه المهنة التي لا تكلف غير نزع رداء الحياء من الوجه ثم حفظ جُمل حزينة بنبرة حزينة حتى تنهال عليك الأموال من ذوي القلوب الرحيمة، نحن لا ندعو لعدم مساعدة المحتاجين، لكننا ضد امتهان التسول مهنة فيختلط على الناس صاحب الحاجة بالمحتال فيضيع صاحب الحاجة وسط هؤلاء المحتالين الذين لا يخافون الله، كثير من الأطفال الرضع وصغار السن يتم تأجيرهم باليوم لأجل التسول بهم ضاربين عرض الحائط ببكاء هذا الطفل أو جوعه وتعبه، في كل مرة أسافر فيها لولاية الجزيرة ونكون على متن أحد الباصات السفرية تأتي إحدى الفتيات دوماً وهي ذات الشخصية المتكررة لتنادي بصوت عالٍ على أسماعنا «يا اخواني هوي أنا بت يتيمة وإخواني يتامى أبونا مات وما عندنا حق الأكل طالبين المساعدة» تقول ذلك وتتلفت يمنة ويسرى وتكر راجعة وهي تضحك على ماذا لا أدرى ربما على كذبها الواضح وعدم إجادتها للتسول، ربما هي جديدة وفي فترة تدريبية، ما يهمنا أن قضية التسول من القضايا التي تحتاج معالجة سريعة وجذرية حتى لا تتمدد بصورة يصعب حصارها، وفي الورشة التي أقامها مجلس الأشخاص ذوي الإعاقة بالتعاون مع وزارة التنمية الاجتماعية ولاية الخرطوم بقاعة الزبير للمؤتمرات، كان النقاش حول القانون وحول تصحيح الفهم الذي يربط الشخص المعوق بالتسول رغم أن البعض يتسببون لأنفسهم بعاهات بغية الوصول لجيوب المواطنين تسولاً واستجداءً، ما نود التأكيد عليه هو محاولة عاجلة لتفعيل القانون حتى لا يصبح حبراً على ورق ونحن نرى الطرقات مكتظة بكل الأشكال الممكنة من وسائل التسول الحديثة وهذه نفرد لها مساحة أخرى.