{ انتهي سير الترابي في الخط الدائري الذي استغرق أكثر من أربعة عشر عاماً، لكن ليست العبرة بالوصول فقط إلى نقطة الدائرة التي كان قد انطلق منها بعد أن كوَّن بكل يسر وسجل حزبه «المؤتمر الشعبي». ذلكم الحزب الذي كان في أيامه الأولى مغرياً، وكان من ذهب معه يريدون أن يعودوا معه لكنه عاد بعد أربعة عشر عاماً بجزء منهم وليس جميعهم، إذ أن هناك من سبقوهم على العودة إلى الحوار مع الحكومة أو الرجوع إلى حزبها الحاكم. وكله رجوع وكلها عودة بطريقة أو أخرى. وابرز من عادوا أو رجعوا عن حزب الترابي هم الحاج آدم يوسف وبدر الدين طه ومحمد الحسن الأمين وغيرهم. والسؤال هنا هل تعود كل البقية في الحزب ام ان من كونوا وانضموا إلى حركة العدل والمساواة يعتبرون مشطوبين من كشوفاته؟! وفي لقاء الرئيس بحزب المؤتمر الشعبي برئاسة الترابي في بيت الضيافة أمس الأول، كان التركيز من الطرفين على عدم استثناء حزب من الحوار، لكن كان تركيز الترابي أكثر على محاورة حاملي السلاح. ولكن هل محاولتهم حول قضايا بعينها، أم حول أن يضعوا السلاح مقابل اتفاق مرضٍ لهم؟! نعم هكذا يكون السؤال، وإلا ما هي القضايا التي يمكن ان تكون هي موضوع الحوار؟! اذا كانت مسائل التنمية والخدمات فإن الترابي يرى بأم عينه ماذا يفعل الآن المؤتمر الوطني مع الحركة الشعبية جناح السلام بزعامة دانيال كودي وبقية الأحزاب المشاركة في السلطة والممثلة في البرلمان لمناطقها في جنوب كردفان والنيل الازرق.. ماذا يفعلون تجاه هذا الأمر هناك.؟! اذن يكون موضوع الحوار مع المتمردين أو ينبغي أن يكون اقناعهم بالكف عن مهاجمة القرى والمناطق الآمنة وغير الآمنة وقتل ونهب مواطنيها. لكن الحديث عن التنمية والخدمات أمر تجاوزته التطورات التي بدأت بالتوقيع على اتفاقية نيفاشا عام 2005م. وما عاد الحديث عن تطوير المنطقتين ومعهما اقليم دارفور أمراً جديداً. فما الذي لم تشر إليه اتفاقيات نيفاشا وابوجا والدوحة بخصوص هذه المناطق؟! إن موضوع ومطروح المتمردين الآن بعرمانهم هو المناصب الدستورية الأرفع. فالقضية عندهم قفزت من أسوارها إلى الطموح الشخصية، فبدلاً من أن تكون وضع السلاح مقابل الخدمات والتنمية أصبحت وضع السلاح مقابل المناصب الرفيعة والامتيازات. فلا مواطن ولا تنمية له ولا خدمات، فهذه الضروريات تمضي الدولة لمعالجتها أمام أعين كل الناس. وهؤلاء الناس من ضمنهم طبعاً الترابي. لقد قطعت الدولة لسانه بعد تصريحاته القابلة للنشر وغير القابلة تلك التي يمكن مطالعتها في بعض مواقع النت. لكن الحوار وحده لا يكفي. فكم حوار أضاع الوقت، وها هو المواطن هنا وهناك يعاني الأمرّات الثلاثة الفقر والمرض والجهل. ولا بد من أن ندعم جهاز الحماية والدفاع باموالنا. ولا بد أن يحمي جيشنا الأطفال والنساء بغض النظر عن الحوار، وبغض النظر عن اللقاءات التي لا تفيد إلا تسويق الصحف. إذا كانت مشكلة البلاد أمنية فماذا يعني لقاء فلان وعلان؟! إذا كانت مشكلة البلاد اقتصادية فماذا يعني لقاؤهما أيضاً؟! إن حاجة البلاد لدعم وزارتين فقط هما الدفاع والمالية، لأن دعمهما يعني دعم الصحة والتعليم. وها هي القوات المسلحة تكبّد قوات حركة مناوي خسائر فادحة جداً.. ولا يمكن للحوار مع المتمردين أن يقوم بهذا العمل الحاسم لمصلحة أمن واستقرار المواطن.. نعم ليس الحل العسكري هو الأسلم والأنسب والأفضل لأن له تبعاته. لكن أي حل متاح الآن؟! كل حركة متمردة الآن تلعن اختها وتريد من الدولة ان تحاورها وحدها وتبذل لها التنازلات.. فماذا ستفعل الدولة مع «مناضلين» ليست لهم قيادة موحدة كما كانت الحركة الشعبية بقيادة جون قرنق؟! ماذا تفعل الدولة مع متمردين يفتقرون إلى الزعيم السياسي الذي يمكن أن يجعل تمردهم يثمر ما يريدون؟! نقول الحوار مع من؟! هل مع جبريل ابراهيم؟! اذن ليحاوره الترابي بنفسه ليعود ويجلس معه بعد ذلك لمحاورة الحكومة. أما بقية المتمردين فشأنهم يختلف طبعاً.