غادر الشيخ موسى هلال العاصمة قبل سبعة أشهر وأقام في ولاية شمال دارفور بين أهله وعشيرته من قبيلة المحاميد التي يتولى نظارتها، وليست هناك أية غرابة في أن يذهب أي إنسان لأهله، ولكن هلالاً ذهب لدياره غاضباً وبين الفينة والأخرى تحمل بعض الصحف أخباراً عنه وعن تحركاته، وقبل فترة أزمع زيارة الفاشر وهذا حق طبيعي مكفول له كأحد رعايا الولاية بل من حقه دستورياً أن يزور أية مدينة أو قرية في السودان، ولا يوجد قانون لمناطق مقفولة كما كان يحدث في عهد الاستعمار، وأن مدينة مثل كتم كان الدخول إليها لا يتم الا بإذن من مفتش المركز الطاغية مور، ولكن لتقديرات أمنية ولئلا تحدث تراشقات وتحرشات قد تتحول لمواجهات دموية تم إرجاء زيارة هلال للفاشر أو تجميدها.. وأن ولاية شمال دارفور تشهد نسبياً استقراراً أمنياً ولكن بعض الحركات الدارفورية المتمردة تقوم أحياناً بغارات فجائية إجرامية تحدث فيها عمليات تخريب ونهب وسلب وترويع للآمنين وإزهاق لأرواح بعض الأبرياء وإصابة آخرين بجروح كما حدث مؤخراً في بعض محليات الولاية في المناطق الشرقية، وحاول بعض المتمردين سرقة عربة حكومية فارهة وتصدى لهم الحرس واستشهد بعضهم وانطلقت إشاعة كاذبة بأن الوالي كبر نجا من محاولة اغتيال، ولكن المحاولة كانت تستهدف سرقة عربة وأي محاولة لاغتيال والي أو مسؤول دستوري أو رمز مجتمع من الرموز الدارفورية فإنه يؤدي لفتنة هوجاء تشعل نيراناً لن تنطفئ. وقد ثبت بالدليل المادي القاطع أن هجمات العصابات الأخيرة قامت بها حركة مناوي الذي صرح مؤخراً بأن من أهدافه أن يصبح حاكماً على إقليم دارفور بعد فصله وأن نائبه سيكون من القبائل العربية. ومن حق مناوي وغيره في الظروف العادية أن يتطلع حتى لموقع رئيس الجمهورية، ولكن عن طريق صناديق الاقتراع وليس عن طريق صناديق الذخيرة، ولو سرحنا مع الخيال وتخيلنا أن مناوي قد حقق هدفه فهل يستطيع أن يدير دارفور الكبرى لمدة شهر واحد أم أنه سيدخل في صدامات دموية شرسة مع الحركات الدارفورية المتمردة الأخرى التي تسعى هي الأخرى لنيل حظها من السلطة والجاه. وقد شارك مناوي من قبل في السلطة واعتلى موقع المساعد الأول لرئيس الجمهورية مع إشرافه على ولايات دارفور ولكنه انقلب على أعقابه وعاد للتمرد مرة أخرى، وكذلك عاد مسؤول آخر للتمرد بعد تخفيض وظيفته من والي ولاية لموقع وزير دولة. ومشكلة كل قادة التمرد الذين انخرطوا في السلطة أن من تحتهم يمارسون عليهم ضغوطاً لئلا يستأثروا وحدهم بامتيازات السلطة ويمارس عليهم قادتهم الميدانيون ضغوطاً شديدة للضغط على الحكومة لتستوعب كل المقاتلين في حركات التمرد الموقعة على اتفاقيات مع الحكومة في القوات النظامية، وهذه المسألة تحتاج لترتيبات مالية ومواصفات معينة لئلا تضم القوات النظامية عدداً كبيراً من المتمردين بينهم أعداد لا يستهان بها من المتفلتين غير المنضبطين، ولكن يمكن إيجاد بدائل تكفل لهم العيش الحر والأفضل أن يعودوا لمهنهم وحرفهم السابقة قبل التمرد. وإن حركات التمرد التي تقوم بمهاجمة وحرب عصابات تمتلك عددا كبيرا من العربات ذات الدفع الرباعي وأسلحة وذخائر ومؤناًً للمتمردين والمؤكد أنها ظلت تحصل على التمويل من القوى الأجنبية لتكون مخالب قط مسمومة ضد وطنها وأن حركة العدالة والتحرير تشهد صراعاً بين تيارين أحدهما يتبع للدكتور التجاني السيسي رئيس الحركة والآخر يتبع للسيد بحر إدريس أبو قردة الأمين العام، والمعروف أن حركة العدالة والتحرير أُنشئت في الدوحة بتجميع عدد من الحركات المتمردة التي تحالفت هناك وكونت الحركة وأخذت الإدارة الأمريكية تدعو مؤخراً لتجاوز اتفاقية الدوحة والقفز عليها ولا أحد يدري إلى أين المسير، وما هو المصير وكيف يتم التفاوض مع حركات التمرد الدارفورية الكثيرة وقياداتها العديدة، وفي مفاوضات نيفاشا كان للحركة الشعبية قائد واحد هو جون قرنق ولكن الحركات الدارفورية أضحت كتنين له مائة رأس وتجمع بين هذه الحركات وقطاع الشمال ما تعرف بالجبهة الثورية وفي الحوارات التي يجريها السيد رئيس الجمهورية ورئيس حزب المؤتمر الوطني فإن كل أحزاب المعارضة مجمعة على ضرورة إشراك المتمردين ممثلين في الجبهة الثورية في المفاوضات وكلهم يعولون عليها كثيراً وإذا توصلوا مع النظام الحاكم لما يبتغونه من مطالب تتمثل في تشكيل حكومة قومية انتقالية وإجراء انتخابات عامة حرة فهذا هو المطلوب بالنسبة لهم وإذا وصلوا لطريق مسدود فإن الجبهة الثورية وعصاباتها ستصبح أداة ضغط على الحكومة، ولذا فإن كل المعارضين يغازلون الجبهة الثورية ويتوددون إليها. وأن السيد موسى هلال لم يخرج تماما ويتمرد على نظام الإنقاذ وفي ذات الوقت فإنه غاضب أي أن إحدى رجليه داخل النظام والأخرى خارجه، وأضحى في منزلة بين المنزلتين وشرطه للعودة هو إعفاء خصمه وعدوه اللدود الأستاذ عثمان يوسف كبر والي شمال دارفور وبالطبع إن الدولة لا يمكن أن تعفي مسؤولاً إلا إذا قررت هي أن تفعل ذلك، ولكن لا يمكن أن تتخذ قراراً كهذا استجابة لرغبة فرد مهما كان موقعه لأن هذا يسقط هيبة الدولة والزعيم القبلي الشاب أمام عدة خيارات فإما أن يعود للعاصمة لمواصلة عمله كمستشار بديوان الحكم الاتحادي وعضو بالمجلس الوطني، وإما ان يمكث وسط أهله وعشيرته في هدوء ليمارس دوره كزعيم عشائري، أو يعلن معارضته جهاراً نهاراً ولا أحد يلم بالتفاصيل المتعلقة بالخلافات الحادة بين هلال وكبر. ومن حق هلال كمواطن أن يعلن آراءه ووجهة نظره عبر الوسائط الإعلامية والمنابر الحرة المتاحة ليتم حولها أخذ ورد في حدود العام ودون خوض في الخصوصيات، ولا يمكن لفرد أي فرد دون تحديد لاسم شخص أن يفرض إرادته لأن الفرد لا يعلو على الدولة ومؤسساتها، والمؤسسية تعلو ولا يُعلى عليها.