من حين لآخر، يطل الاتحاديون من منابرهم التي تعددت على نحو يشكل معه التمييز بين مسمياتها وقادتها السياسيين، ليعلنواعن إرادتهم في الوحدة، تلك الإرادة غير المشفوعة بخطوات عملية تنبئ عن صدقية هذا التوجه. أحدث نسخة لدعوات الوحدة، تلك التي أرسلها الأمين العام للاتحادي الديمقراطي المسجل جلال يوسف الدقير في الإذاعة القومية وجاء فيها، أن ثمة ترتيبات وعمل كبير لتوحيد الأحزاب الاتحادية. ولكن المفارقة بين الواقع والأحاديث الإعلامية تبدو كبيرة، فقد نفت الأحزاب الاتحادية الرئيسة، علمها بهذه المبادرة إلا من خلال الصحف، فلم تصلها دعوة مكتوبة سواء مباشرة كانت أم غير مباشرة، والأحزاب هي، الاتحادي الموحد بقيادة جلاء إسماعيل الأزهري، و الاتحادي الديمقراطي الأصل بقيادة محمد عثمان الميرغني، و الوطني الاتحادي برئاسة يوسف محمد زين. وربما كان العامل الجديد في دعوة الدقير الأخيرة متعلق بالظرف السياسي الراهن، وأبرز مظاهره هي دعوة رئيس الجمهورية ورئيس المؤتمر الوطني للحوار، تلك الدعوة التي اختلف حولها تحالف قوي الإجماع الوطني، كما أن تباين الفصائل الاتحادية بين المشاركين في الحكومة وبالتالي أقرب لدعوة الحوار، وبين من هم في صف المعارضة ليكونوا أبعد ما يكون عن طاولة الحوار غير المشروط. فدعوة الرئيس قد تكون عاملاً مشجعاً، لتقارب الأحزاب الاتحادية كما أن احتمالات أن تزيد تلك الدعوة من فرقتهم واردة أيضاً. الوحدة قضية فرعية الأمين العام لحزب الاتحادي الموحد عصام أبو حسبو، وازن بين الحزب والوطن بقوله الوحدة الاتحادية بمنطق النسبة والتناسب، تعتبر قضية فرعية بالنسبة لقضية الوطن. فالحزب هو الوعاء الذي يستوعب الطرح السياسي والفكري في شأن الوطن، أي أنه وسيلة وليس غاية في حد ذاته، وفي سياق انتقاده للتركيز العام حول الحزب قال، الحزب «يطير» إذا لم يقد للهدف منه، وهو إقامة نظام حر يتوافق عليه المجتمع، وقال يجب أن لا نكرس جهودنا ليعلو الاهتمام بالحزب ووحدته على الوطن وقضاياه. فإذا كان هم الحزب هو الوصول للحكم تبقى هذه عصابة وليس حزباً. ترتيبات غائمة الوحدة هي الهم الأكبر لنا في الحزب، وهي حلم الرئيس الراحل الشريف زين العابدين الهندي ، باعتبارها من أهم العوامل التي تدعم حزب الحركة الوطنية وتعزز من قدراته، بوصفه الحزب الوطني الوسطي في كل توجهاته الجامعة لهذا الشعب المتعدد. وقد أقر الحزب الوحدة في مؤتمره العام 2003 ، على هذا النحو كان رد القيادي بالاتحادي الديمقراطي الوسيلة السماني عندما سألته عبر الهاتف، عن الترتيبات التي أعلن عنها حزبه بخصوص وحدة الاتحاديين. أسباب الشقاق ولا تزال الأحزاب خاصة الأمة القومي والاتحادي الديمقراطي، تلقي باللائمة في تشظّيها إلى أحزاب شتى على الحزب الحاكم المؤتمر الوطني، سعياً لإضعافها من منطلق السياسة الإنجليزية الشهيرة «فرق تسد». وعندما سئل القيادي بالوطني أمين حسن عمر عن هذا الاتهام أنكره جملة وتفصيلاً، ورد مدافعاً عن حزبه «حزب هو ولا سكين»، أما دواعي الخلاف كما يراها الاتحاديون أنفسهم، فتتجلى وفقاً لرئيس الحزب الوطني الاتحادي يوسف محمد زين، في العديد من الأسباب في مقدمتها التعامل مع النظام الشمولي«النظام الحاكم» ، فهناك من شارك مع النظام الشمولي وهناك من رفض ونحن ممن رفض. وقال إن الوطن أكبر من الاتحاديين والإسلاميين وممن لا دين لهم أيضاً، نحن بحاجة لأن يكون الوطن قبل الحزب والحزب قبل الذات، وقال إن الدعوة لوحدة الاتحاديين، يلزمها تنازلات قوامها الاتفاق حول الوطن، كما أن دعوة الرئيس للحوار يلزمها تنازلات في مقدمتها إلغاء القوانين المقيدة للحريات. من جهته أشار القيادي بالاتحادي الديمقراطي الأصل بخاري الجعلي، أن أسباب الشقاق تكمن في أن كل فصيل يريد أن يتمسك برؤيته، ورغم أنه عبر عن احترامه وتقديره لكل الفصائل الاتحادية، إلا أنه عاد ليقول إن كل المقايسس والمعايير تفيد بأن الأحزاب الاتحادية ليست في حجم واحد. أما حسبو فقد ذهب إلى أن الخلافات تنشأ حول الفكر والأطروحات والنظريات والسياسات، والاتحاديون ليس لديهم خلاف حول تلك المسائل، إنما خلافاتهم شخصية، حول الأشخاص وحول المراكز والمواقع في الحزب، إلا أنه لم يستبعد إمكانية التلاقي، مع الاتحاديين المشاركين في السلطة للوحدة حول أزمة قضايا الحكم في السودان، لنتفق على الحل فمن أوجب واجبات الأحزاب أن تصلح فيما بينها، لكي تتمكن من مواجهة أخطر أزمة تمر بالسودان الذي تشكّل في عهد محمد علي باشا في 1822 ،الذي صار دولتين ،لذا فإن أزمة الوطن أكبر من مشاكل تشظي الأحزاب واختلافاتها التنظيمية الداخلية. أما الوسيلة فقد أوضح أن تفرّق الاتحاديين، يكمن في الاختلاف حول أسلوب المعارضة، بالإضافة للاختلاف حول منهج إدارة الحزب، بالنسبة للسبب الأول وهو الاختلاف في أسلوب المعارضة، ما عاد سبباً يمنع الناس من الالتقاء والتشاور، أما السبب الثاني وهو الاتفاق على منهجية لإدارة الحزب وفق ضوابط دستورية ولوائح وقيادة منتخبة ، لأن الوحدة صارت أوجب الواجبات، لأننا نعيش في عهد البرامج وليس الأشخاص، فجيل اليوم الذي يشكل أكثر من«60%» يهتم للإجابة على العديد من الأسئلة من قبيل من نحن وماذا نريد وماذا نفعل مع من وكيف؟ ، وهذه الأسئلة لا تجد الإجابة عليها إلا عبر برنامج متفق عليه وصادر عن إرادة جماهيرية ، لذلك نحن نمد أيدينا بكل أريحية لا نضع شرطاً ولا قيدً لنلتقي مع كل الفصائل الاتحادية . احتمالات النجاح والفشل رئيس الحزب الوطني الاتحادي يوسف محمد زين أفاد أنهم لم تصلهم أية دعوة بخصوص ترتيبات الوحدة، ومع ذلك فهو يرى أن مبدأ الوحدة خير ، واستدرك ليشير بأن النوايا الحسنة وحدها لا تنتج أعمالاً حسنة، ولكن يبقى حلمنا بالوحدة مستدام ، لأن العالم لا يحترم إلا الكبار، وبسؤاله عن احتمالات تحقق هذه الوحدة قال، قطعاً إذا اتحدت إرادة الاتحاديين وحزب الأمة سيكون ذلك سنداً للتغيير والإصلاح الذي يطالب به أهل السودان. وحول توقعاته لنجاح دعوة الحوار قال، نحن لم تأتنا دعوة برؤيته ومحاورها لنعرضها على أجهزة الحزب. وبسؤاله عن أن عدم وصول الدعوات لهم يفيد فشل المحاولة قال، ربما وصلت الدعوة إلى قيادات أخرى مثل جلاء الأزهري أو الميرغني أو الحركة الاتحادية أو غيرهم. أما القيادي بالاتحادي الديمقراطي الأصل بخاري الجعلي قال، إذا كانت النوايا صافية وتوفر نكران الذات فإن كل المسميات الاتحادية ستتجه لوحدة الصف الاتحادي. ومن جهته قال الأمين العام للاتحادي الديمقراطي الموحد عصام أبو حسبو لم تصلنا أية دعوة لا بطريق مباشر أو غير مباشر اللهم إلا ما نقرأه في الصحف ، بالرغم من أن علاقتنا قوية بحزب الدقير، ورأيي أن أقرب مسافة بين نقطتين هي الخط المستقيم، وأية دعوة لا تفقد جدواها طالما هي صادقة ، لكن لما تبقى الدعوة من أجل الدعاية وأمور خاصة تموت في مكانها، ولكي تنجح دعوة الدقير لابد أن تصل للأطراف المعنية ونحن لم تصلنا الدعوة وربما وصلت لأطراف آخرين. أما الوسيلة فيرى أن الفارق بين الحديث عن وحدة الاتحاديين بين اليوم والأمس، فبالأمس كانت هناك دعوات للوحدة، قال الفارق يحكم فيه دعوتنا أن هلموا للمؤتمر العام لنطرح رؤانا عبره ولجماهير الحزب أن تصدر قرارها. على كل يبدو أن خلافات الاتحاديين السابقة ستعود بشكل جديد به الاتفاق أو الاختلاف حول دعوة رئيس الجمهورية للحوار، فالاتحاديون قد تمايزوا في اتجاهين، الأول موالاة الحكومة ومن ثم الاستجابة للحوار، والثاني معارضة الحكومة ورافض للحوار إلا وفق اشتراطات محددة، فهل تبقى الخلافات محلك سر أم أن المستجدات بشأنها قد تلعب دوراً مغايراً في دفع عجلة الوحدة الاتحادية؟