المهندس عثمان ميرغني يمتلك قلماً جريئاً في التحليل، لكنه كثيراً ما يجنح عن الحقيقة إلى متاهات غير مبررة ولا يوجد تفسير أو مناسبة لعرضها بتلك الأحكام المصيبة، والمحزن أنها تصدر عن كاتب مرموق مثل عثمان ميرغني، ففي أخيرة «اليوم التالي» عدد الجمعة «82/مارس/ 2014م» كتب (عثمان) مقالاً تحت عنوان (لو أعطونا ثمن الوقود فقط) وقد تعرض في ثناياه إلى الأموال التي تهدرها الفصائل المتمردة في دارفور تحت غطاء المطالب التنموية والتعليمية، حيث عرض عثمان ميرغني حجم الأموال التي تصرف في شراء سيارات الدفع الرباعي والذخائر والأسلحة، والمؤن ومرتبات الضباط والجنود، إلى جانب التكلفة التشغيلية وبند المحروقات لهذه السيارات. كان عثمان يرى أن الأولى بكل تلك الأموال مدارس دارفور، ونهضة قطاع التعليم حتى يخرج منها جيل من العلماء والأطباء والمهندسين وكل التخصصات، وبذلك تعود دارفور إلى سيرتها وماضيها الجميل إلى هنا (عثمان) يمضي في الاتجاه الموضوعي والمنطقي، لكنه اختتم بسؤال يمزق القلب على حد تعبيره وهو يستهجن ويعيب على رئيس البرلمان الدكتور الفاتح عز الدين أن يحمل إسرائيل مسؤولية ما يجري في دارفور ويعتبره مؤامرة إسرائيلية بكل أسف موقف (عثمان ميرغني) مفزع وليس يمزق القلب لأنه من الطبيعي وهو يعرض مأساة دارفور وتلك الأرتال من العربات والأموال التي تصرف في الحرب كان عليه أن يسأل عن مصادر تمويل الحرب في دارفور؟! والجهات التي لها مصلحة في تأزيم الموقف، وإثارة نعرة الحرب؟! بكل أسف نحن في السودان نكابر في عبثيتنا وبعضنا يورد قصة الحرب والموت والدمار في أطراف السودان ويتحدث بلا مرجعية، كأنه يعابث جنونه إفتراءً على الحقيقة الواضحة مثل الشمس في وضح النهار. أخي عثمان ميرغني إسرائيل نفسها لا تخفي سوءاتها وهي تعلن عنوة مساندة المحاربين في دارفور تدريباً وتأهيلاً ودعما لوجستياً وفنياً، فلماذا أنت وآخرون تحاولون إيجاد المبررات حتى يبطش اليهود بمقدرات الأمة، وهم غير باحثين عن من يشرعن لهم فعلتهم وظلمهم للبشرية؟ أسفي عليكم بني أمتي وأنتم تتاجرون وتزايدون على ترجيح التوجه السياسي الإسرائيلي السيء وتظهرون له محاسن، مهما كان قاسياً ومتحاملاً. باشمهندس عثمان، أليست إسرائيل هي التي كان لها التأثير المباشر على قضية جنوب السودان، وكانت «تل أبيب» حاضنة للحركة الشعبية حتى تم انفصال الجنوب؟! وهي اليوم تحكم (جوبا) بالوصايا والدعم المباشر، كما أنها ترمي بثقلها في دارفور، وأن عبد الواحد محمد نور وقادة العدل والمساواة قد زاروها أكثر من مرة، وهم حلفاء لإسرائيل بالمكشوف ولا شك في ذلك، فلماذا أنت تحاول أن تحجب الحقيقة وهي مكشوفة وعارية. إسرائيل دائماً تسخر من المثقف المسلم والعربي عندما يطرح نفسه منافحاً عن مصالحه دون تفويض، وهي الأقدر على حماية نفسها وعملائها الظاهرين والمستترين، لأنها تملك القوة «غير المتكافئة» وفي تقديراتها، ترى استحالة حسم أية معركة لصالح خصمها، لكنه وهمٌ سيتبدد يوماً ما، وتذعن إسرائيل صاغرة منكسرة، أمام قوة الحق التي لا يقف أمامها مزدرٍ أو ظالم. بكل صراحة الذي يمزق القلب هو المواقف المهزوزة وإطلاق التكهنات والتهم دون النظر إلى مصالح الشعوب المقهورة، إن كل الذي ذكرته لا يعني وجود إشكال ولا نحمل إسرائيل الأمر جُله، ولكنها وجدت ثغرات ونفذت عبرها لتذيق الشعوب ويل العذاب، وهي تدعم النار كلما حاولت أن تهمد حتى لا تنحسر الأزمة، وأن ألاعيب إسرائيل في الشرق الأوسط لا تحتاج إلى ذكاء، لأن اللعب أصبح مكشوفاً ويكون من السذاجة إذا حاول البعض إخفاءه. نعم إننا نعاني من أزمة ديمقراطية، وتداول سلطة، وتعصب، وفرق دينية وطائفية ومجتمعية وقبلية، غير أن كل تلك الفتن لها إتصالاً مباشراً بإسرائيل، وهذا لا يغيب عن أي ذهن متفتح، ويبقى من الضرورة بمكان أن يتم بحث عميق في اتجاه حسم الفرق السياسية والتشظي المجتمعي، وهذا لا يمكن لحزب أو دولة أو قبيلة من مواجهته دون أن يَحدث تكتل كبير يُعلي المصلحة الكلية ويضع حداً لوسائل الانقسامات، بوضع ميثاق وطني يؤسس لدستور دائم للبلاد، وهذا يتطلب مرجعيات وأجهزة يتم التوافق عليها بين مكونات المجتمع ذات المصالح المشتركة، وحتى لا يتم ذلك فتظل أجهزة الموساد تُطوع بعض الجهات والواجهات والشخصيات في صناعة الأزمات وإرباك المواقف والمرتكزات السياسية والاجتماعية والإعلام وهو من أخطر المنابر في مثل هذه الأعمال الهدامة.