في كل عام وعقب تقرير المراجع العام، دائماً ما نسمع أن هناك أموالاً مجنّبة من قبل وزارات معينة لم يطلع عليها المراجع العام، ويعلمها القاصي والداني. و يشير تقرير المراجع العام الأخير إلى أن جملة الأموال العامة المعتدى عليها بلغت ما يقارب «50 » مليار دولار. وتقول إحدى الفقرات التي وردت بالتقرير إن جملة المال المجنب بواسطة عشر مؤسسات حكومية على المستوى القومي والولائي، بإحجام بعض الوزارات من تقديم كافة إيراداتها المالية لوزارة المالية وتقوم بتجنيب بعض الأموال داخل المؤسسات، لا سيما أن الأموال المجنبة بواسطة عشر مؤسسات حكومية على المستوى العام والولائي بلغت «284,4» مليار جنيه و« 12,1» مليون دولار أين ذهبت هذه الأموال التي لم يراع فيها حق المواطن المغلوب على أمره، ويقبع تحت رحمة مصاصي الدماء، لا بد من العودة بالذاكرة قليلاً لتذكُّر بعض الوقائع التي نبني عليها تقريرنا فلقد كان تقرير للمراجع العام للعام المالي المنتهي 2011 وكشف من خلاله المراجع العام عن وجود «15» وزارة ووحدة حكومية مجنِّبة للمال العام، وقال التقرير إن هذه الأموال تُستغل في دفع الحوافز والمكافآت وبلغت جملة الأموال المجنَّبة «497» مليون جنيه، و«5,1» مليون دولار، و«108,6» ألف يورو بزيادة «149%» عن العام السابق أي 2010 م وكل هذه الأموال عبارة عن رسوم غير قانونية يتم إيداعها بحسابات خاصة لصالح تلك الوزارات وفي الغالب يكون الوزير أو الوكيل هما المخولان بالصرف منها وهذا ديدن كل تقرير عام ، وأخيراً أماط اللثام تقرير المراجع العام الأخير بفك شفرة الأسئلة الحائرة التي أكلت عقول المواطن عن ضياع تعب وشقى هذا الشعب، بحيث يؤكد المراجع العام أن أخطر الممارسات السالبة التي تضعف الموازنة هي التجنيب عبر التصرف في مبالغ واردة للوزارة أو الوحدة أو التصرف في إيرادات مجنبة في غير الأغراض المخصصة لها ولا يتم الإفصاح عنها في القوائم المالية فيما قال الخبير الاقتصادي عصام الدين بوب في حديثه ل«الإنتباهة» يعد التجنيب أمراً غير شرعي في القوانين السابقة للمراجعة وكانت تعتبرها جريمة يعاقب عليها، وليس لديها أي مبرر شرعي لاستخدام التجنيب في وضع ميزانيات جديدة لوحدات حكومية، لأن كل الوحدات تخضع للميزانية العامة للدولة ووجود التجنيب يعني أن هنالك انحرافاً في استخدام المال العام، وهذا في قوانين الإدارة العامة أمر غير شرعي، من المفترض أن يضع القانون الملامح الرئيسة للمراجعة الداخلية بمعاييرها وأهدافها وأساليب العمل وآليات التنفيذ، لكن من الملاحظ في السودان أن القوانين الاقتصادية لا تحظى بالاهتمام الكافي، مقارنة مع القوانين ذات التأثير السياسي المباشر مثل القانون الجنائي الأمني، فالمراجعة الداخلية تشكل أهمية حاسمة من ناحية تأثيرها على السياسات الاقتصادية وانعكاس ذلك على النشاط الاقتصادي وحياة المواطنين، ومصادر كسب عيشهم ونجدها مهمة أيضاً في ضبط الممارسات على مستوى السلطة التنفيذية. بينما عبر مراقبون بنظرة تشاؤمية لما ورد مؤخراً في تقرير المراجع العام رغم الإفصاح عن وزارات ومؤسسات بعينها هي التي تجنب تلك الأموال التي تؤخذ من عرق الغلابة والكادحين بعدم الجدية في تنفيذ القانون ومحاربة هذا النوع من الفساد وأن القوانين الخاصة لا تزال «تلوي ذراع» وزارة المالية وتأخذ من مال الشعب وباسم القانون زوراً وبهتانا ًتذهب إلى جيوب أناس لا يستحقونها وهذا ما أوضحه تقرير المراجع العام بشكل لا غموض ولا لبس فيه. ترى هل ستأخذ العدالة مجراها أم أن ما أفصح عنه المراجع العام سيكون حبيس الأدراج أم سيقدم منتهكوا المال العام للمحاكمة ؟ وأن الأيام كفيلة بالكشف عن ذلك قبل الموازنة العامة القادمة ؟