دارفور أزمة أرقت البلاد لأكثر من عقد من الزمان، جابت البلدان الافريقية والآسيوية، دونما جدوى، وتشعبت الأزمة حتى بات يخشى من تطاولها ان يودي بالبلاد نفسها، او ان تفضي لانفصال دارفور أسوة بالجنوب الذي غادر في يوليو 2011م، فلم يسعد باستقلاله، ومازالت البلاد مرتبطة به اقتصادياً وأمنياً، من خلال علاقته بالحركات المسلحة، سواء في دارفور او المنطقتين، فضلاً عن أبيي، واحدث المنابر التي تناولت أزمة دارفور ملتقى ام جرس الثاني الذي بدأ يوم الأربعاء الماضي وانتهى امس الاحد، بمشاركة رئيس الجمهورية ونواب الرئيس الاثنين، والرئيس التشادي ادريس دبي، ونائب رئيس حزب الامة القومي فضل الله برمة ناصر، ومشاركة ملفتة للأمين العام للمؤتمر الشعبي حسن عبد الله الترابي. فما هو الجديد الذي يحمله ملتقى ام جرس الثاني؟ وهل يفلح الملتقى في طي أزمة الاقليم التي باتت تهدد وحدة البلاد باعتراف رئيس المجلس الوطني؟ ومن اولى الملاحظات على هذا الملتقي انه جاء والساحة السياسية تمور بطرح الحوار الوطني الذي دحرج كرته الحزب الحاكم في نهاية يناير الماضي، عبر الخطاب الذي وجهه الرئيس عمر البشير للشعب السوداني، ومن اولى الاحزاب التي لبت هذه الدعوة ودون شروط المؤتمر الشعبي، الذي طالما اتهمه المؤتمر الوطني بأنه هو الذي صنع أزمة الاقليم، وكان يصنف حركة العدل والمساواة على انها الجناح العسكري للشعبي، كما سبق للترابي في مرحلة خصومته للوطني ان اطلق تصريحاً جهيراً مفاده ان بإمكانه حل أزمة دارفور في سويعات، ورغم ان الشعبي على لسان امين الاتصال السياسي كمال عمر نفى في مؤتمر صحفي ان تكون الحكومة قد كلفتهم بتولي ملف الحركات المسلحة، الا انه اكد ان لحزبه اتصالات بالحركات أحجم عن النهوض في تفاصيلها، مما يدل على ان حزبه انخرط بقوة في الملف، خاصة ان قيادات الحزب مثل نائب الامين العام إبراهيم السنوسي سبق ان صرح للصحف بأنهم سيستثمرون علاقتهم الطيبة بالحركات للدفع بها الى طاولة الحوار، كما اعلن مسؤول العلاقات الخارجية للحزب دكتور بشير آدم رحمة قيادة حزبه لحوار عميق مع قادة التمرد بالخارج، بتكليف الامين العام للحزب بولاية الخرطوم المهندس آدم الطاهر حمدون، بإجراء لقاءات ناجحة بالعاصمة الكينية نيروبي مع مني اركو مناوي وعبد الواحد محمد نور رئيسي حركة تحرير السودان بجناحيها وحركة العدل والمساواة بقيادة جبريل ابراهيم، بجانب خطوط اتصال مع الحركة الشعبية قطاع الشمال، وسبق لرحمة نفسه ان صرح بأن الحركات طالبت بعدة ضمانات للانخراط في الحوار، منها اطلاق الحريات وضمانات لدخول وخروج الحركات المسلحة. ومن جهته صرح الترابي من ام جرس التشادية التي وصلها بالامس بأن الملتقى سانحة لحل أزمة دارفور والنزاعات القبلية. إذن يمكن القول إن مشاركة الشعبي القوية في أزمة الاقليم تعد مؤشراً جيداً باتجاه الحل. ومن جهتها شكلت رئاسة الجمهورية لجنة بقيادة النائب الأول للرئيس بكري حسن صالح وعضوية نائب الرئيس محمد عبد الرحمن حسبو ورئيس السلطة الإقليمية دكتور التيجاني السيسي، فضلاً عن لجنة الاتصال بالحركات المسلحة بالسلطة الإقليمية بقيادة صديق ودعة، وللبعثة الأممية الافريقية برئاسة محمد بن شمباس رؤيتها حول أزمة الإقليم، فابن شمباس الذي كانت له تجربة مماثلة في دولة ليبيريا، مفادها جمع كل الحركات المسلحة في تلك البلاد، صغيرها وكبيرها دون تمييز على طاولة حوار واحدة، للوصول الى نتيجة متفق عليها، وقد أفلحت تلك الطريقة في ليبريا، ومن ثم فإن ابن شمباس ينظر في تطبيقها بالبلاد، خاصة أن التباين في حجم الحركات المسلحة احد الأسباب التي تؤدي الى تعقيد حلول الأزمة، وقد سبق ان احتجت حركة العدل والمساواة بهذه الميزة التي تراها في نفسها بأنها الحركة الاكثر قوةً وحجماً، وان عملية التفاوض الرئيسة ينبغي ان تكون معها هي. ولما كان الشعبي قد القى بثقله عبر مشاركة الترابي، كان مناسباً التعرف الى رؤية الحزب في هذا الخصوص من خلال امين الاتصال السياسي للحزب كمال عمر عبد السلام الذي أوضح انه ليس بالإمكان ان نعتبر أن ام جرس هي المنبر الذي سيتم من خلاله حل أزمة الاقليم، لأن الحركات المسلحة التي تشكل ركيزة أساسية في المشكلة غابت عن الاجتماع، ولكنه عاد ليقول للصحيفة ان المنبر خطوة اولى في حل الأزمة، تليه دعوة الحركات للحوار في الداخل بعد توفر ضمانات قوية، وذهب كمال الى ان لتشاد دوراً مهماً في قضية دارفور، وان لرئيسها ادريس دبي دوراً فعالاً في الأزمة عبر تأثيره المباشر، وعاد ليؤكد أن أم جرس هي بداية الحوار للوصول الى حل الأزمة في النهاية، عبر توحيد المنابر في الحوار الشامل القادم لحل أزمة البلاد. وفي اطار اهتمامه بقضايا اهل دارفور أوضح الخبير الاستراتيجي د. حسين كرشوم بعد ان قدم عرضاً تاريخياً للأزمة وصلتها بإقليم غرب افريقيا، أوضح ان الملتقى يمضي في الاتجاه الصحيح لمعالجة الأزمة، لانه اصطحب معه الرؤية الحقيقة في الأزمة المتمثلة في أن الأزمة ينبغي ان ينظر اليها في الإطار الإقليمي وليس المحلي، واستدرك ليشير الى ان ما ينقص الملتقى هو استضافة دول الجوار، خاصة بوركينا فاسو والنيجر وإفريقيا الوسطى، وذلك حتى يخرج الملتقى من الإطار الثنائي الى الإقليمية المشتركة، باعتبار ان القبائل مشتركة بين هذه الدول. وحول رمزية مشاركة الترابي في الملتقي قال حسين ان مشاركته مؤشر لجدية الحوار، لأن كل الحركات كانت قلقة بشأن الحوار الذي دعا له الرئيس، وفي حال انه أفضى الى ترتيبات سياسية في ظل غيابها عنه، فإن ذلك يشكل تهديداً للحركات، الا أن حضور الترابي يفيد بأن الحوار ماضٍ الي نهايته، أي أنه لا رجعة عنه، لاسيما أن هناك آراءً تفسر الحوار بأنه محاولة من المؤتمر الوطني لكسب الوقت، لفك الاختناق السياسي الذي يمر به في الوقت الراهن، وحول احتمالات نجاح الملتقي في ظل غياب الحركات عنه قال ان طبيعة الحركات معقدة، ومن ذلك ان الذين رسموا الاستراتيجيات للحركات ووضعوا لها خريطة الطريق هم غير الذين يحاربون في الغابة، ولذلك فإن الحركات في كل تفاصيل ملتقى ام جرس. وبشأن النتائج المرجوة من الملتقى تحدث حسين عن عودة لاجئي دارفور في شرق تشاد الذين يشكلون عناصر التجنيد للحركات المسلحة، وحدوث وفاق سياسي بين الناشطين السياسيين في دارفور، في شكل تصالحات قبلية، وقيام المؤتمر الدارفوري الدارفوري، وبروز دعوة للمصالحة والتعايش بين مكونات دارفور المختلفة، فالصراعات في الاقليم خلفت بعض النتوءات بين القبائل المختلفة، وفسر ذلك بتصفية الوجود المسلح خارج الإطار الحكومي الرسمي، من خلال حملة لجمع السلاح، وهذه الحلول لن تكون قاصرة على الجانب السوداني بل ستشارك فيها تشاد أيضاً، وامعن حسين النظر في مستقبل منبر أم جرس عقب الفراغ من قضايا السلام والأمن، ليشير الى أن المنبر سيظل منبراً للتصالح القبلي والأمن الإنساني بشكل عام، وتوقع أن يتحول المنبر من محل للمصالحات القبلية لينحو منحى ثقافياً أدبياً في سياق الحياة الطبيعية.