شهدت الجلسة الختامية للندوة الدولية حول «علم المقاصد الشرعية بين الجهد النظري والتحقق العملي» التي عقدتها وزارة الإرشاد والأوقاف يومي الأحد والإثنين الماضيين حالة من الجدل بشأن التساؤلات المثيرة التي طرحها وزير الدولة بالوزارة محمد مصطفى الياقوتي بخصوص وجهة نظره المتعلقة بأفضلية الفوائد البنكية كما يرى لدى المقارنة مع صيغة المرابحة المعمول بها في المصارف الإسلامية من الناحية الخاصة بمدى شرعية هذه الصيغة الراهنة. فتحت عنوان: «أثر المقاصد في الموازنة بين الأحكام الشرعية، دراسة علمية عن الفوائد البنكية والمرابحة» قدم الوزير الياقوتي ورقة ذكر فيها أنه من الواضح أن الصورة التي يعتمد عليها الناس في إجازة بيع المرابحة معتمدة على الفتوى الواردة من الشيخ القرضاوي لما بيّنه الإمام الشافعي في الصورة التي جاء فيها أنه: «اذا أرى الرجل الرجل السلعة فقال اشتر هذه وأربحك فيها كذا فاشتراها فالشراء جائز، والذي قال أربحك بالخيار إن شاء الله أحدث فيها بيعاً، وإن شاء تركه...» .. ومن الواضح في هذه الصورة أنها تحصل منفعة للذي لا يملك المال لحظة إرادته الشراء بتوفير السلعة التي يريدها. وتشير الورقة إلى أنه ما من مذهب من المذاهب الفقهية إلاّ ولها رؤيته في بيع المرابحة، وهناك بيوع ذات صلة وهي بيوع الآجال، ولكل مذهب رأيه في المسألة. وتضيف: أنه إذا قبلنا جواز بيع المرابحة الذي تقوم به البنوك الإسلامية الآن معتمدة على فتوى الشيخ القرضاوي، وهي الآن معاملة حلال وصحيحة، وتحقق بها البنوك أرباحاً كثيرة، وتكاد المعاملات تنحصر فيها لضمان العائد منها، فإن موضوع الدراسة إنما يتمثل في إفتراض أن الأرباح التي يرفضها البنك على العميل قد تكون عالية ومجحفة، وفيها استغلال لوضع العميل الذي يحتاج المال، وقد لا تكون له الرغبة الحقيقية فيما أُشترى له، وقد تكون له الرغبة في الشراء لكن البنوك تغالي في الأرباح.. وتشير الورقة إلى أن هناك صلة بين الربا والفوائد البنكية ولكن هناك أيضا فوارق، والصلة هي أن هناك تشابهاً في الزيادة الحاصلة على رأس المال في الاقتراض حين الوفاء بالدين. وهذا هو ما دفع كثيراً من العلماء الفضلاء للحكم على الفوائد البنكية التي تفرض على الشخص عند طلبه تمويل مشروع من المشروعات، أو عند أية معاملة كهذه.. لكن للحق فعند التدقيق نجد أن هناك فوارق بين الزيادة على الدين حين الوفاء به، وبين الفوائد البنكية قد تمنع الاشتراك في علة الحكم التي هي وسيلة قصد بها حكم الأصل على الفرع. وحول علة تحريم الربا تشير الورقة إلى قول ابن القيم إنه «من المعلوم أن الربا لم يحرم لمجرد صورته ولفظه، وإنما حرم لحقيقته ومعناه ومقصوده.. حيث أن الله سبحانه وتعالى حرم الربا لما فيه من ضرر المحتاج وتعريضه للفقر الدائم والدين اللازم الذي لا ينفك عنه»، وتضيف: أنه إذا كان الأمر كذلك فإن جهود العلماء ينبغي أن تركز على ما فيه إرضاء الأطراف المتعاملة. ولا بد من ملاحظة أن هذا هو مقصد الشريعة وعلة التحريم، وكذلك لا بد من استصحاب قاعدة أن الحكم يدور مع علته وجوداً وعدماً وليس جهوداً على استنتاجات فقهية حكمتها ظروف وأنماط حياة محددتان، دون ملاحظة السياقات المؤثرة على الاستنباط في هذه العصور مما يعتبر قصوراً عن أداء الواجب الشرعي. وتضيف الدراسة متسائلة أنها: إذا كان المقصد من تحريم الربا هو عدم الإضرار بالمحتاج وحمايته من أن يكون عرضة للاستغلال، وكان هذا الأمر موجوداً في المرابحة بأن كانت الزيادة فاحشة ولا يمكن أن توجد في الفوائد البنكية، فهل يبقى الحكم الشرعي هو هو، أم يتغير الحكم حسب تحقيق مصلحة المحتاج للمعاملة يستحق المقصد الشرعي المتمثل في جلب المصلحة ودفع المفسدة؟