هاشم عبد الفتاح: «لم يكن هو جرس واحد ولكنها عدة أجراس دقت عليها الحكومة وحركت سكونها وشغلت بها مجتمعات دارفور»، هكذا جاءت هذه العبارة من بين ثنايا حديث الأستاذ حسبو محمد عبد الرحمن الذي خاطب عشية أمس حشداً كبيراً من أعيان وزعماء القبائل وشيوخ الإدارة الأهلية الذين شاركوا الأيام الفائتة في ملتقى أم جرس للقبائل الحدودية بين السودان وتشاد، والذي أحدث حراكاً كثيفاً على مستوى الحكومة والقبائل والحركات المسلحة بدارفور. فبالأمس عرضت الحكومة بضاعتها التي خرجت بها من أم جرس، وأعطت كذلك دفعة وإرادة جديدة لملف دارفور في محاولة للخروج به من حالة الاحتقان وتجاذبات القبيلة وأطماع الخارج، وما كان لهذا الملتقى أن يتحقق أو يخرج بكل هذه التفاعلات لولا التدخل الموجب والفاعل من قبل الرئيس التشادي إدريس ديبي وذلك باعتراف الحكومة السودانية نفسها. وأبدت الحكومة على لسان نائب الرئيس حسبو محمد عبد الرحمن أنها تعاملت مع ملتقى أم جرس بإرادة كاملة وقوية، مشيراً إلى أن أم جرس الأولى تطورت إلى أجراس كثيرة، ونفى حسبو بشدة أن تكون هناك «أجندات» خاصة في ملتقى أم جرس، ولكنه عول على المجتمع الدارفوري في أن يقود مخرجات الملتقى إلى حقيقة وواقع في حياة الناس. ولكن يبدو أن من أكبر المكاسب التي حققها الملتقى لأهل دارفور هي مغازلة الحكومة واعترافاتها بأحقية الإدارة الأهلية في تسوية كل القضايا والحرائق والمشكلات والدماء، فتبلورت هذه المغازلة في عودة الحق القديم للإدارة الأهلية في دارفور لممارسة سلطتها في فض النزاعات وعقد المصالحات وإصدار الأحكام القضائية، وبتفويضات جديدة وصلاحيات متسعة اقتطعها وزير العدل من سلطاته وقدمها بسخاء وطوع إلى الإدارة الأهلية وأعلنها بالأمس أمام ممثلي أكثر من «63» قبيلة، فتلقفتها هي بلهف وشوق وسط عاصفة من التكبير والتهليل ولكنها في حاجة إلى المال والدعم الذي يعينها ويمكنها من أداء هذه المسؤوليات، وهذا ما أكد عليه نائب الرئيس الذي بدوره طالب حكام الولايات بإقرار مناصب خاصة للإدارة الأهلية بمهام ومسؤوليات محددة وبمخصصات ومرتبات حقيقية «وليست عطية مزين» على أن تؤخذ هذه المخصصات المالية من ميزانية الولايات والمحليات، ولكن السيد النائب حث زعماء هذه الإدارات بعدم الإفراط في إنفاذ هذه السلطات ودعاهم لأخذ السلطة بعدل وحكمة دون تعسف. ولم يكتف لقاء الأمس برصد ردود الفعل على المستوى الداخلي، وإنما هناك مؤشرات موجبة على الصعيد الدولي، حيث كشف الأستاذ حسبو محمد عبد الرحمن أنه خلال زيارته الخارجية الأخيرة التقى الرئيس اليوغندي موسفيني وقال له «إنك قدمت حسنة وحيدة للسودان حينما جمعت بين الرئيس البشير والراحل جون قرنق قبل نيفاشا ولكنك الآن ترتكب خطيئة كبرى في حق السودانيين لاستخدامك حركات دارفور كأوراق للتجارة العالمية»، ولكن ما خرج به هذا اللقاء أن الرئيس اليوغندي موسفيني أكد له أنه سيبدأ منذ الآن في لعب دور حقيقي لصالح سلام دارفور، وأنه سيتصل بالحركات المسلحة لإشراكها في مخرجات ملتقى أم جرس وإرسالها إلى تشاد وإثيوبيا. فيما أبدى نائب الرئيس عدم ممانعة حكومته لقبول كل الخيارات التي تطرحها الحكومة للتفاوض مع الحركات في أي مكان، وأن الحكومة ملتزمة بتوفير كل الضمانات لهذه الحركات. ومولانا محمد بشارة دوسة وزير العدل ورئيس آلية أم جرس قال إنهم الآن أمام مسؤولية كبرى لإنزال مخرجات الملتقى إلى أرض الواقع، مشيراً إلى أنهم تواثقوا على إنهاء الحروب والنزاعات والصراعات وصون حقوق الضعفاء في دارفور، وأبلغ دوسة زعماء وشيوخ القبائل التي شاركت في أم جرس بأنه ستكون هناك آليات وقرارات رئاسية وشيكة للدفع في اتجاه إنفاذ هذه المخرجات. ووجه دوسة كل القبائل للاتصال بأبنائها منذ الآن وإجبارهم على ترك السلاح والعودة الى دارفور، كما ناشد الحكومة والحركات الموقع على السلام بإكمال ملف الترتيبات الأمنية ودمج القوات، ونفى دوسة بشدة أن تكون أم جرس منبراً بديلاً للدوحة، ولكنه وصفها بالداعمة له، وقال إنها كانت صوتاً واحداً لا نشاز فيه. وطالب وزير العدل زعماء القبائل والإدارات الأهلية إلى أخذ تفويضات وزير العدل بجدية وأمانة وبسط العدالة والتعامل بحيادية وبمبدأ أن المجرم لا قبيلة له «وهذا يعني أن الحكومة تريد من الإدارات الأهلية في ممارسة السلطات القضائية إسقاط كل الانتماءات القبلية في الفصل في النزاعات والصراعات».