التحذيرات التي أطلقتها الأممالمتحدة، في خطتها للعملية الإنسانية في السودان والأرقام المذهلة للمتأثرين في دارفور، أشارت إلى تجاهل المجتمع الدولي للسودان، وبحسب التقديرات فإن السودان يحتاج إلى حجم كبير من المساعادات الإنسانية، على خلفية تدهور الأوضاع الأمنية، وازدياد عدد النازحين، وارتفاع معدلات سوء التغذية وسط الأطفال والنساء بالبلاد، والتي بلغت نصف مليون حالة ، تلك التقديرات أثارت مخاوف وقلق الحكومة والأممالمتحدة على سواء خاصة في المناطق التي شهدت الأحداث الأخيرة في اللعيت والطويشة، وحسكنيتة، وسرف عمرة، ومليط بشمال دارفور، دفعت بمسؤولة وزارة التنمية البريطانية كاتي ترتون بالقول، إن الموارد قليلة وأنها قلقة للغاية من أن تختفي دارفور من اهتمام المجتمع الدولي، وأن يترك السودان دون موارد لمقابلة احتياجات الإغاثة، بجانب ما ذكرته عن وجود «200» ألف شخص فروا من منازلهم جراء القتال في دارفور بنهاية شهر مارس الماضي، وأكثر من مليوني شخص يعيشون في مخيمات منذ بداية الحرب في الإقليم قبل «11» عاماً ، و تأثير أكثر من «1،1» مليون شخص في جنوب كردفان والنيل الأزرق. مع ذلك رأت الأممالمتحدة في خطتها التي أطلقتها وشركاؤها في العمل الإنساني في الأسبوع الماضي، وبحسب وثيقة الوضع العام الحالي للاحتياجات الإنساسية ، وجود أربعة محاور ذات أولولية هي المساعدة في انفاذ الحياة، فيما يتعلق بالصحة والتغذية، والحصول على المياه الصالحة للشرب وحماية الأشخاص المعرضين للخطر، من آثار العنف والاستغلال، وتعزيز قدرة الأسرة والمجتمعات على تحمل الصدمات، إضافة إلى إيجاد حلول مستديمة لنحو «3،3» مليون شخص من النازحين واللاجئين ، وقدرت عدد الذين يحتاجون لمساعدات إنسانية في السودان بما يقارب « 6,1» مليون شخص أكثر من نصفهم في إقليم دارفور، و وجود خمسة ملايين شخص في حاجة إلى دعم في مجال إنقاذ الحياة هذا العام، ويبدو أن الإشارة إلى الأرقام المذهلة للنازحين و جملة تكلفة المساعدات الإنسانية المطلوبة من المانحين والتي بلغت «995» مليون دولار، أمر يؤكد أن الحاجة الإنسانية لا تزال مطلوبة في البلاد، نتيجة لنقص الخدمات الأساسية والتي نتج عنها تدهور الأوضاع في دارفور وجنوب كردفان، ونقص القدرات والفجوات التمويلية الكبيرة بحسب تقارير الأممالمتحدة. ويبدو أن مكتب الأممالمتحدة لتنسيق الشؤون الإنسانية بالسودان قد حدد جملة من المطلوبات، أعلن من خلالها ضرورة الحصول على نسبة تقدر ب«5، 5 % » من جملة المبلغ المطلوب «995» مليون دولار أمريكي ، وأوضح أنه في الوقت الذي توجد فيه حاجة للمزيد، فإن نسب التمويل تناقصت خلال السنوات الثلاث الماضية ، هذا الوضع عبر عن قلق المانحين تجاه توفير الأمن لعمال الإغاثة وحرية حركتهم، وذكرت أنه بعد تطورات صغيرة خلال الأسابيع الماضية في استجابة السلطات لطلبات الحركة في دارفور إثر النزوح الأخير، فإن تحسناً كبيراً سجل نهاية مارس الماضي ، ويري عدد من المراقبين أن العملية الإنسانية في السودان شائكة ومعقدة، وتحتاج إلى جهود كبيرة لحل الأزمة، خاصة في ظل وجود نزوح جديد في دارفور، ولأن قضية تقديم العون تفوق مقدرات الحكومات، يرى كثير من المراقبين بضرورة أن تلجأ الحكومات إلى الاستعانة بالمنظمات الدولية والدول المانحة، في تغطية الفجوة الناتجة عن ضعف الاستجابة للموارد المحلية، في هذه الدولة، ورغم أن الحكومة لديها تحفظات تجاه التعاطي مع قضية تقديم الإغاثة بواسطة المنظمات الأجنبية، إلا هنالك عدة مخاوف حول أرقام وإحصائيات الأممالمتحدة، بشأن أعداد المتأثرين في دارفور بسبب النزاعات الأخيرة، أدت إلى انتقاد الحكومة، لبيان الأممالمتحدة قالت، بأنه غير صحيح ووصفت البيان بأنه يفتقد إلى المصداقية، وذلك في إشارة إلى أن الحكومة لم تتوصل إلى أرقام حقيقية عن عدد المتأثرين، ولم يتمكنوا من الوقوف على الأوضاع في المناطق المتأثرة، وتشير أن أعداد المتأثرين الفعلي هو « 117» ألف نازح، حيث عاد منهم إلى مناطقهم حوالي «67» ألف، بعد عودة الحياة إلى طبيعتها. ولكن يبدو أن الخلاف حول طبيعة الأرقام بين الحكومة والأممالمتحدة لم ينف وجود نزوح جديد، ورغم أن مفوض العون الإنساني د. سليمان عبد الرحمن أوضح ل«الإنتباهة»، أن الحكومة استطاعت السيطرة على الأوضاع، دون الحاجة إلى معسكرات للنزوح ، وأضاف قائلاً : السودان على استعداد لمساعدة مجموعة الإغاثة الدولية أو المحلية، في الوصول إلى المحتاجين أينما كانوا، إلا أنه يرى بضرورة أن يؤخذ في الحسبان حماية هؤلاء العاملين. ورغم ذلك أبدى الممثل المقيم للأمم المتحدة ومنسق الشؤون الإنسانية علي الزعتري، قلقه من أوضاع النازحين في معسكر عطاش بنيالا- بالإشارة إلى وجود «3»آلاف نازح بذلك المعسكر- مبيناً أن أساس المشكلة في دارفور هو الاختلاف السياسي، والاحتكام إلى النزاع المسلح، باعتبار أن الحوار بين الحكومة والأحزاب السياسية هو الحل الوحيد للأزمة في السودان. وقال يجب أن تصل المساعدات للمتأثرين، دون أية تعقيدات - بالإشارة إلى الشعار الذي وضعته الأممالمتحدة في خطتها والذي يقول «نحن صح لهذا العام »-، محمّلاً الحكومة والأممالمتحدة والدول المانحة، مسؤولية العملية الإنسانية في السودان . إذاً هناك ضرورة لتوحيد الجهود، حتى تتجه الأطراف المتنازعة إلى عملية الحوار الوطني، والاستمرار كذلك في توفير الاحتياجات للمتأثرين، والاتفاق على حل أزمات البلاد . وفي المقابل إن استمرار القتال بين المجتمعات - كما يراها الممثل المشترك للأمم المتحدة بدارفور- يتسبب في زيادة معاناة السكان المدنيين في دارفور ، ومن هنا تتضارب أرقام النازحين، الأمر الذي يثير شكوك الكثيرين، من وراء الأرقام الكبيرة وحجم الدعم الممنوح للنازحين، ليس فقط بدارفور وإنما في كل مكان .