حصلت الباحثة الأمريكية «نت» مؤخراً على الدكتوراه من جامعة «جورج تاون» بعدما ناقشت في موضوع رسالتها دراسة حول السيرة الفكرية لشيخ الإسلام الإمام محمد بن عبد الوهاب، ونجحت الباحثة في تسجيل الرسالة بجامعة جورج تاون. وتناولت الدراسة المعالم الرئيسة في دعوة الشيخ الإسلام محمد بن عبد الوهاب رحمه الله، المتصلة بالتوحيد والشرك وتحليل منهجه في تفسير الشريعة الإسلامية، مع إلقاء الضوء على اهتمامه بأصول مثل المصلحة العامة التي تهدف إلى تفسير الشريعة بما يحقق مصالح المجتمع، وخصصت الباحثة فصلين كاملين لأكثر القضايا جدلاً في كتابات الشيخ لدى الغربيين، وهما معاملة النساء، وتحليل رسالته في الجهاد، وقد أجري معها حوار بمجلة الدعوة أقتبس منه الفقرات التالية: * ما هي أبرز ملامح رسالتك التي ناقشت سيرة شيخ الإسلام محمد بن عبد الوهاب الفكرية؟ هي عبارة عن تحليل لكتابات الشيخ محمد بن عبد الوهاب، تبدأ الرسالة بسيرته باعتبار أنه من أبرز قادة الفكر الإسلامي في القرن الثامن عشر، وتعد الكثير من الأصول البارزة في كتاباته كتركيزه على العودة إلى القرآن والسنة، والقضاء على الممارسات الدينية الشائعة كتقديس القبور والأولياء، ورفضه للتقليد، ومناصرته للاجتهاد، وتوثيق صحة الأحاديث بناء على متنها وليس على سندها «سلسلة رواتها»، والتركيز على النية في الأعمال، وليس التجديد في العبادة من العلامات الفارقة في الفكر الإسلامي في القرن الثامن عشر، ومن ثم فإنني احتج بأن الشيخ محمد بن عبد الوهاب ليس ذلك المبتدع المهرطق كما يتهم، بل العالم الذي شغل القرن الثامن عشر بأفكاره، بعد ذلك أعرض بحثا مفصلا لأفكاره الرئيسة المتصلة بالتوحيد والشرك، وتحليل منهجه المعتدل المتوسط في تفسير الشريعة الإسلامية مع إلقاء الضوء على اهتمامه بأصول مثل المصلحة العامة التي تهدف إلى تفسير الشريعة بما يحقق مصالح المجتمع، وقد خصصت فصلين لأكثر القضايا جدلا في كتابات الشيخ لدى الغربيين وهما معاملته للنساء وتحليل رسالته في الجهاد. * ما الذي دفعك للكتابة عن هذه الدعوة؟ بدأ اهتمامي بالشيخ محمد بن عبد الوهاب عام 1991م عندما بدأت دراسة الماجستير في مركز جامعة جورج تاون للدراسات العربية المعاصرة، فقد سمعت الكثير من الأقاويل السلبية عن «الأصوليين الإسلاميين»، وانتابني الفضول لمعرفة ما يؤمنون به، وأسباب إطلاق هذه النعوت السيئة عليهم، عندما بدأت أقرأ عن الأصولية الإسلامية لاحظت وجود الكثير من الإشارات إلى ما أسموه ب «الوهابية» والشيخ محمد بن عبد الوهاب، ولكنني لم أفهم معنى هذا المصطلح، ولم أتمكن من الحصول على أي كتب أو مقالات عن الشيخ، الذي حيرني فعلاً قول البعض إن الشيخ محمد بن عبد الوهاب كان عند المسلمين بمثابة مارتن لوثر عند النصرانيين، وقد كان والدي راهباً لوثرياً، ولذا فهمت أن هذا القياس يعتبر مديحاً وليس إهانة، وقد أصبحت مهتمة كثيراً بفهم السبب وراء الإشارة إلى الشيخ محمد بن عبد الوهاب بهذه الطريقة، وعندما حضرت دورة حول الحركات الإسلامية المعاصرة عام 1993، كان أول شيء قرأناه ترجمته بالإنجليزية لكتاب التوحيد، وهذا كان أول اتصال لي بكتابات الشيخ، لم أر أي شيء ينم عن العنف في هذه الرسالة على الإطلاق، بل كلام علمي معتدل عقلاني لا لبس فيه ولا غموض، وفي الحقيقة فقد بدا لي أن الرسالة عبارة عن بحث مستقيم وواضح ومنطقي وتوضيح للقرآن والحديث، كما أن الإصلاحات التي قام بها لها ما يؤيدها في نصوص القرآن والسنة، ومن ثم فقد خاب أملي أن أجد العمل الوحيد له الذي ترجم إلى اللغة الإنجليزية، ومن ثم يجب أن يطلب من مكتبة في القاهرة، وقد قضيت الأشهر الستة التالية أجمع كل كتاب للشيخ باللغة العربية عثرت عليه وقررت أن أتخصص في هذا الموضوع للحصول على درجة الدكتوراه. * هل واجهت أية مشكلات في تسجيل هذه الرسالة في جامعة «جورج تاون»؟ عندما كنت على وشك الانتهاء من دراسة الماجستير عام 1993 وبدأت التحدث مع بعض الأستاذة في قسم التاريخ عن الفكرة لم يتحمس الكثير منهم لها، بل أن عدداً من الأساتذة حذروني من البحث في هذا الموضوع، لأنه كان موضوعا دينيا وغير مناسب للوقت، الحقيقة هي أن أحد هؤلاء الأساتذة بعد أحداث 11 سبتمبر أخبرني أنه لا يرى أهمية للموضوع أو صلة له بعالم اليوم، استمر هذا الوضع حتى افتتح مركز التفاهم الإسلامي النصراني في جامعة «جورج تاون»، وحينها وجدت مساندة لموضوع بحثي، ولقد كنت محظوظة أن يكون البروفيسور جون اسبستو في لجنة المناقشة، وجون فول المشرف على الرسالة، فقد أسهما ليس فقط في تقديم المساندة الأكاديمية والمالية لبحثي، بل في الربط بيني وبين الكثير من الناس الذين قدموا لي الكثير من الأبحاث القيمة. * ذكر الباحث ستيفن شوارتز في سياق دراسة له حول الوهابية أنه لم يكن بحاجة لزيارة الرياض للاطلاع على الوهابية بشكل أكبر وأنه تدبر أمر الاطلاع عليها في سراييفو من خلال رصده لأتباع الوهابية هناك، ما رأيك؟ الظاهر أن ستيفن شوارتز لم يقرأ أي شيء مما كتبه الشيخ محمد بن عبد الوهاب كي يكون رأياً عنه أو عن تعاليمه أو الحركة التي قادها، وهكذا لم يشر إشارة واحدة إلى كتابات الشيخ أو أي كتاب آخر باللغة العربية عن الشيخ في بحثه، وهذا ليس غريبا لأن شوارتز لا يقرأ ولا يتحدث العربية، كما أنه حصل على معلوماته عن الوهابيين والوهابية من كتب الرحالة الغربيين ومن تجربته الشخصية في البوسنة ، فلو أنك قرأت كتابه لاكتشفت أنه يرى أن الصوفية هي المرآة الحقيقية للإسلام الذي ينبغي التعامل معها، لأنها حسب رأيه هي الوحيدة التي لم تمارس العنف بينما يعتقد أن الوهابية مرادفة للعنف. وهذا الزعم يغفل حقائق كثيرة مهمة للغاية يصعب حصرها هنا لأننا إزاء نقاش علمي يحتاج إلى وقت. أنا لا أرى أن كتابه عمل علمي جاد، وإنما لا يعدو أن يكون تعبيرا عن آرائه الشخصية وليس بحثا جادا، وللأسف فإن هذا الكتاب ورسالة حامد الجار التي ينتقد فيها الوهابية أشد انتقاد هما العملان الوحيدان الموسعان حول الوهابية حتى الآن، وهما المرجعية لكل باحث عن فكر الإمام ابن عبد الوهاب وحركته الإصلاحية رغم أن الكثير مما ورد فيهما مغلوط ومبالغ فيه ولا يعكس الحقيقة أبداً. وقد أصبح شوارتز مدللاً لدى وسائل الإعلام في بلده لأنه جاهر بعدائه للعرب والمسلمين عموماً، وللسعودية خصوصاً، وحرك المخاوف من أن المسلمين يكرهون الأمريكيين. * هل غيرت الدراسة عن الحركة الوهابية أفكارك السابقة عنها؟ قبل الشروع بهذه الدراسة كان فهمي لتعاليم الشيخ سطحياً، لقد توقعت أن أجد الكثير من المواد التي تبحث في دعوته إلى التوحيد ومحاربته للشرك وهذا ما كان، وفي ضوء ما قرأت في كتب الرحالة الغربيين، فقد توقعت أن أجد الكثير من المواد التي تشجع على العنف وتدعو إلى الجهاد وتصنف كل من ليس بوهابي على أنه كافر وهذا ما لم يكن، حالما قرأت كتاب التوحيد، تغيرت توقعاتي، لقد أدركت أن معظم الناس قد أساءوا فهم هذه الرسالة على أنها بيان حرب، لقد كان كتاب التوحيد حقا بحثا مستفيضا في مضامين التوحيد كان عملا علميا رصينا هادئا، وليس دعوة إلى الحرب، وعند قراءة الكتاب في سياق جميع كتابات الشيخ يبدو واضحا أنه عبارة عن رسالة في الإلهيات تناقش مسؤوليات جميع المؤمنين، كما أنني لم أتوقع أن أعثر على مصادر غنية لفهم تفسيره للشريعة الإسلامية. ففي اليوم الذي عثرت فيه على رسالتيه حول الجهاد والزواج كان يوما مثيرا في عملية البحث، لأن محتوياتها لم يكن يتوقعها أحد في ضوء الصورة النمطية التي تشاع عن الوهابيين في الوقت الحاضر. أتوقف هنا مما اقتبسته من هذا الحوار للتقيد بالمساحة المناسبة للمقال وأحيل القراء الكرام إلى الاطلاع على بقية الحوار فهو منشور بشبكة الانترنت خاصة وأن الجزء المتبقي منه فيه إنصاف الباحثة للشيخ محمد بن عبد الوهاب في ما ينسبه إليه خصوم دعوته في مسائل الجهاد والعنف، وقد عجبتُ أن يكتب الكاتب المثير للجدل على صفحات هذه الصحيفة من أن الشيخ محمد بن عبد الوهاب صناعة استخبارات بريطانية.. وما نقله هو من جملة الأكاذيب المعروفة وحقد الكاتب وحنقه ورعايته للأجندة الشيعية الرافضية يجعله ينقل مثل هذه الترهات والأباطيل التي لا تقوم على أدلة ولا بينات وإنما هي مجرد هرطقات.. وقد أنصف الشيخ محمد بن عبد الوهاب كثيرٌ من خصومه ممن لم يحملهم مخالفة ما دعا إليه من التوحيد ان ينكروا الحقائق الواضحة التي هي مؤلفاته وتراثه، وهذه الدراسة للباحثة الأمريكية هي إضافة لتلك الشهادات، ولم يأت ابن عبد الوهاب بشيء جديد والتحدي قائم لأي شخص كان أن يأتي بمسألة خالف فيها الكتاب والسنة وأئمة المذاهب الأربعة وإخوانهم من أهل العلم.