كان العنوان الذي في مخيلتي يتحدث عن عوج الإنقاذ وذلك قبل أن أبدأ في الكتابة، ولكنني رأيت أنني أظلم الإنقاذ إذا نسبت العوج إليها وحدها.. والفكرة تتلخص في أنني كنت أدبر أمر السودان بل وأمر المسلمين في مخيلتي واسأل ما هو الحل؟ أما في السودان فقد استعرضت الأحزاب والجماعات والتيارات، واستعرضت أيضاً مواقف الجماهير، بل وحتى المؤسسة العسكرية خطرت ببالي، بشقيها النظامي وغير النظامي إن صح التعبير. وسألت نفسي: أي هذه المكونات يمكنه أن يقيم إعوجاج المجتمع الذي نغرق فيه اليوم؟ إن الأرض اليوم أرض السودان قد ملئت جوراً، والإنقاذ ظالمة وجائرة ما في ذلك شك ولا ريب، ولكننا نظلمها إذا قلنا هي الظالم الوحيد أو أنها مصدر الجور الوحيد. إن الذي نحياه اليوم ونعاني منه ليس هو الظلم ولكنه التظالم، والتظالم غير الظلم. والحقيقة التي نراها الآن أن الإنقاذ ظالمة وهذا لا أقوله وحدي بل يقوله رجال لو سميتهم لقطع مني هذا الحلقوم. وأين حلقومي أنا من حلقوم أبي هريرة رضى الله عنه وأرضاه. إن ظلم الإنقاذ لا ينكره إلا جاهل أو منافق. إلا أن الحق عز وجل لم ينه عن الظلم بل نهى عن التظالم والتظالم أن نظلم بعضنا بعضاً.. أي يكون الواحد منا مظلوماً في جانب وظالماً في جانب آخر. والإنقاذ ظالمة ومظلومة. ظالمة كما أوضحنا ومظلومة من أهل العلم وأهل الدعوة وأهل الفكر وأهل الشوكة وأهل النظر. كلنا يظلمها عندما لا يعينها ولا ينصرها على نفسها. والمجتمع يظلم بعضه بعضاً ويأكلون أموالهم بينهم بالباطل والأمثلة لا تعد ولا تحصى. وأهل الأحزاب التقليدية أيضاً يظلمون الإنقاذ. يأكلون من قصعتها ويستغفلونها ويضحكون منها في أكمامهم. والعلمانيون أيضاً يظلمون الإنقاذ لأنهم لا يرون فيها خيراً قط، لأنهم لا يرون في الإسلام خيراً قط. وأهل التمرد يظلمون أنفسهم وأهليهم، ويظلمون الإنقاذ لأنهم يطالبون الإنقاذ بالمن والسلوى ولبن الطير، ويطالبون كلهم أن يكونوا نائباً أولاً لرئيس الجمهورية وإلا فكبير المستشارين! إن هؤلاء جميعاً يدعون وصلاً بليلى.. ولكل واحد منهم ليلاه، بعضهم ليلاه الإنقاذ.. وبعضهم ليلاه القبيلة. وبعضهم كالعلمانيين والجبهة الثورية ليلاهم الشيطان. وهم لا يستحيون من ذلك ولا يخجلون. إن هذا هو التظالم الذي نهى عنه الحق عزّ وجل في حديثه القدسي: يا عبادي إني حرمت الظلم على نفسي وجعلته بينكم محرماً فلا تظالموا. والآن وبعد كل هذا العرض من الذي نرشحه حقاً من المشهد العام ليصلح عوج السودان أو عوج الإنقاذ أو عوج الأحزاب أو عوج التمرد أو عوج المجتمع أو حتى عوج الإسلاميين؟ لا أحد.. فكل فتاة بأبيها معجبة. وكل واحد من هؤلاء مسحور بليلاه.. وليتني لو أستطيع أن أفصل وأعري لكل واحد من هؤلاء ليلاه أمام الخلق. إذن والله لكفينا مجانين كثيرين أو على أقل تقدير لم نشك كما شكا الشاعر من صبر كريمتيه على لئيم. إن الإنقاذ ومعها هذا الجيش الجرار من المظاليم الظلمة قد ملأوا أرض السودان جوراً وظلماً. ولن يستطيع أحد كائناً من كان أن يواجه هذا الظلم وهذا الجور. خاصة أن الصالحين قد عض كل واحد منهم على أصل شجرة مناولاً الحديث منتظراً أن يأتيه أمر الله وهو على تلك الحال. وإن أخشى ما أخشاه أن يكون العاض على أصل شجرة واحداً من المظاليم الظلمة. إن إصلاح الحال في هذا الوضع من المستحيلات. ذلك أن الحل العسكري النظامي والحل العسكري غير النظامي يعني التمرد أو الثورة الشعبية. كل ذلك سيزيد الأمر تعقيداً ولن يكون مضموناً ولا محمود العواقب، وسوف تتسع رقعة الخلاف وستزيد الاضطرابات والغبن والربيع العربي أمام أعينكم في ليبيا وفي مصر وفي اليمن بل وحتى في تونس. إن المطلوب للإصلاح قادم جديد ليس له من بين هؤلاء جميعاً عدو. المطلوب قادم يستقطب تأمين الجميع حتى لا يبقى له عدو في الدنيا إلا العدو الأصلي. والعدو الأصلي مقهور مكسور مخذول. ولعل التشبيه بيوم القيامة يُقرِب الصورة. عندما يخرج الناس من قبورهم يوم القيامة لا يكون واحد منهم مشغولاً إلا بنفسه وصحيفة أعماله والمسلم والكافر في ذلك سواء. لا توجد معارضة ولا تمرد ولا علمانية ولا حتى مؤسسة عسكرية ولا توجد إلا ليلى واحدة وهي رضاء الخالق الواحد الأحد. والمهدي أحد أكبر علامات الساعة، أي أنه فيه شيء منها، والمهدي يذكر الناس بالساعة والقيامة، والمقصود هو مهدي أهل الهداية لا مهدي أهل الضلالة.. هو المهدي الذي يقول عنه الحديث الذي أورده الإمام القرطبي في التذكرة، وهو عندما يفر الناس إلى المهدي في المغرب «ويكون على مقدمته صاحب الخرطوم وهو صاحب الناقة الغراء، وهو صاحب المهدي وناصر دين الإسلام وولي الله حقاً» هذا في التذكرة للقرطبي ص 075 175. والسر يكمن في أن آية المهدي هي آية كونية تجعل كثيرين يستفيقون من غفلتهم ويهجر كل مغرور ومغشوش ليلاه الزائفة، فتستجدي العلمانية وتنكسر شوكة التمرد وتنضاف المؤسسة العسكرية بشقيها إلى مهدي الهدى وجيش الإسلام. هنا فقط يكون الإصلاح ممكناً وجائزاً، وتتوارى وتضمحل كل خزعبلات الباطل، الجهوية والفساد والتجنيب والعلمانية والتشبث بالمقعد وموالاة أهل الكفر وفتاوى الضلال، وتموت وتتلاشى الأحزاب دون أن يصدر قرار بحلها. أي أن الإصلاح لا يحتاج إلى قانون ولا مرسوم ولا بوليس ولا جهاز أمن ولا اقناع.. ولا ندوات ولا مجاملات، بل لا يحتاج إلى إعلام ولا صحافة.. بمجرد إيراد خبر في «الإنتباهة» أو في أية صحيفة أخرى يجد أن أهل الحق ينحازون الى معسكر أهل الحق وأهل الباطل ينحازون إلى معسكر أهل الباطل. ومعسكر أهل الباطل لا يضم إلا اليهود والشيعة وأصحاب الكفر الأصلي والمنافقين الذين ليس في قلوبهم شيء سوى النفاق. تمنيت لو أنني استطعت أن أقترح طريقة للإصلاح لا أحتاج فيها إلى المهدي.. ولكن الإنقاذ والحركة الإسلامية والسلفيين والدعاة والإسلاميين عموماً قبل العلمانيين والمتمردين والجهويين والصليبيين والصهيونيين هم الذي رسموا لي المهدي. فاذا كان السودان قد ملأ جوراً وإذا كانت الدنيا قد ملئت جوراً، فإن صاحبها هو المهدي الذي سوف يملأها عدلاً مثلما ملئت جوراً.