عنوان مقالي هذا اقتباس من المثل السوداني المعروف، «الرماد كال حماد»، ولعل الجميع يعلم المعنى العميق بهذا المثل العريق، وتبديلي للرماد بالفساد قصدت به تحديداً وجه الشبه في «كلٍ» كما يعرف في البلاغة، وهي أن الرماد والفساد يمكن أن يصيبا الإنسان بعمى دائم للعيون والقلوب، وللأمانة ما ظللنا نطالعه يومياً في الصحف وكل الأجهزة المسموعة والمرئية، يجعلنا نجزم بأننا نعيش حالة فساد كبير وفوضى يصعب السيطرة عليها، فأين الحكومة؟ وأين أصحاب القرار، وأين المحاكم، وأين القضاء وأين المحاسب والمنفذ لأقسى العقوبات، وأين نهايات تلك المآسي والأحزان، هل استباح الجميع المال العام لدرجة أننا أصبحنا لا نتعظ مما نسمع ونشاهد؟ منذ سنوات والقصة كما هي بنفس التفاصيل والتسلسل والموت السريري !! ولو أردت الإشارة لآخر الأحزان والشواهد في حالات الفساد التي رأت النور، بفضل بعض الخُلص الذين لم يخافوا من ما يوؤل إليه مصير الأرزاق بهم، فقضية الأقطان خير شاهد، عبث واستباحة للمال العام ، شركة عامة لكل سوداني بمن فيهم «حماد نفسه» و له الحق فيها، تدر على البلاد أموال طائلة وخيرات كثيرة من صادر ذلك المنتج القومي المهم، الذي يشكل الآن أعلى عائد مادي بعد البترول، ليقوم بعض المفسدين القدامى ممن نعرف لهم تاريخاً أسود في قضايا عديدة ومشهورة، يشاركهم جدد في ذلك العالم القذر الذي لا يشبع ولا يتقي ولا يتعظ، بل كل همه أكل السحت والحرام ، يجتمع هؤلاء في ظلام الليل الهادئ ونور رب العباد الذي يراقب قصصهم وجرمهم، لينكشف لنا قبيح صنعهم، قبضوا الملايين في تلك الصفقة المشبوهة ، ويتدخل القانون ويتدخلون هم بأيديهم التي تلوث كل ما هو نظيف وساطع البياض، وتكون تلك البقعة الظاهرة، علامة لا يمكن تغطيتها ويتكشف المستور وننتظر النهاية في عقابهم ، ويستمر الفساد وتكشف لنا تلك الصحيفة ما يدور بتلك المفوضية التي نسميها « مفوضية العمل الإنساني » !! مجموعة من الموظفين يقومون بأفعال لا أجد لها مبرر غير ضعف القيادة والإدارة التي تتولى شأن هؤلاء ، كيف يتم ذلك كورسات شكلية وشهادات مزورة ودورات خارجية وسفريات ومخصصات غير حقيقية، وجوازات سفر دبلوماسية لأفراد لا علاقة لهم بالسلك الدبلوماسي ! بل بمقابل مادي كبير ، كيف يتم ذلك وبأي حق ومن المسؤول عن كل هذه الفوضى ؟ لن يعفي التاريخ من يدافع عنهم من المطبلين، بأنهم من الاخيار فالمسؤولية جماعية ولا يهم أن يكون « د.سلاف الدين» قد انتفع أم لا فوجوده الصوري وعدم مراقبته وتدقيقه، يجعله مسؤولاً أمام الله والوطن، وإن صدقت نواياه وأفعاله أم لم تصدق فنحن لنا بالظاهر . والمفاجأة الكبرى كانت في مسلسل الفساد المكشوف تلك الشرذمة من صغار الموظفين، الذين منحتهم الدولة تلك الصلاحيات وساعدتهم على ذلك العمل اللاأخلاقي ، شباب في درجات وظيفية حديثة، يقومون بمنح تصاديق وقطع استثمارية وبلاوي متلتلة بحجة أنهم في مكتب السيد الوالي ! الوالي الغافل عن جرم هؤلاء ، ونهاية القصة نطالع بأن السلطات استردت جزءاً من تلك الأموال المليارية ، كيف يتم ذلك ؟ هل أصبحنا نعيش واقعية الفساد وأصبح الأمر بالنسبة لنا تسلية ومجازفة ؟ أم هو تهاون بالعقاب غير المنفذ ؟ والمسكوت عنه كثير والفساد متمدد في البلاد ، أين وصلت السلطات لفساد سودانير وخط هيثرو ؟ ماذا تم في أروقة شركة سكر كنانة ؟ وأين المراقبة للذي يحدث الآن في المخططات السكنية الاستثمارية، التي نسمع عنها وما علاقة هؤلاء بتلك ، اجلسوا بهدوء واحصروا بعض الاسماء، وقارنوا بما كانت تملك وما تملك الآن ؟؟ اسألوا هؤلاء الصغار تجربة وسناً من أين لكم هذا ؟ الفساد منتشر وبصورة مخيفة نقولها بعلانية وقوة، والاحتكارية حتى في الفساد أصبحت لأناس معروفين، والأمر ليس فيه «مدسه» فالكل يعلم من هو حماد وما قصته وأين ولد وكيف تربى وترعرع ، نعلم أن الله فتاح رزاق كريم، لكن المنطق والواقع يجعلنا نؤمن على أن الأمور فيها شيء من الريبة. في العام 1995 م دخلنا عليه في دار أسرته بأحد أحياء أمدرمان القديمة ، منزل من الجالوص وتتوسطه غرفة الاستقبال التي كنا فيها، «مِرق» مسنود به السقف خوفاً من السقوط ، جادت عليه الإنقاذ بحكم صلته بمسؤول آخر، جادت عليه بمنصب قفز منه بالزانة لرئاسه تلك المؤسسة الحكومية، وفي العام 2001 زرته لأجد أن البيت الذي كنا فيه، أصبح عمارة من «4» طوابق !! والمحير أنه رغم الفساد الذي طاله وطال إدارته التي نقل منها لأخرى. وجدته قبل أسابيع في مكتب عقارات بحي راق بوسط الخرطوم، وسألت بعد انصرافه صاحب المكتب لأفاجأ بأن لديه «4» عمارات في تلك المنطقة، وبها أكثر من «24» شقة للإيجار !!! فتلك هي نماذج لقليل من كثير. نكرر بأن الفساد أصبح على مرأى ومسمع الجميع، والجميع لا يخفى عليه شيء فهؤلاء المفسدون، يعرف الكل تاريخهم كما أشرت وبالتالي مهما راهنوا بذكائهم على غباء الآخرين، سينكشف أمرهم. ولكن هل هناك روادع وأحكام شافية حتى لا يفكر الآخرون في سلك ذلك الطريق، أم أن «المعلشه والتبتيب والمداراة» ستكون نهاية المطاف، خوفاً من «الجرجرة» والكروت التي يحملها بعض هؤلاء ليكشفوا المستور والمشارك والمساعد والمستفيد الخفي ، وهل الدولة أصبحت تفتقر للأنقياء الأصفياء الأقوياء، الذين لا يخافون في الحق لومة لائم !! أم أن مصير من يتصدى لذلك الفساد سيكون كما حدث للنقيب صالح أبوزيد، الذي طالعنا قصته صباح اليوم، فقد دفع ثمن قول الحق السجن عاماً كاملاً وحرم من أبنائه وطرد من الخدمة بعد سنين من العمل والأخلاق وكل جرمه أنه قال هنا فساد ،! أم سيكون الحال كما يعانيه من سرّب تلك الوثائق الخطيرة لتلك الصحيفة لتكشف التعدي السافر على المال العام، فقد علمت بأنه يعيش حالة من الرعب والقلق، بسبب تلك الرسائل التي تصله من هؤلاء وأتباعهم ! فلك دولة القرآن ولكم أيها الحكام بكافة درجاتكم الوظيفية أخاطب بصدق ووضوح لقد بلغ السيل الزبى، وأصبح الأمر خطيراً فالفساد موجود والقضايا أصبحت في العلن، ولابد لكم من نفرة نبدأها أولاً من داخل البيت، نجتث فيها أي عضو غريب عن أجسادنا، وإن كان بتره يعيق الحركة لنا ، من أجل الرجوع للحق والفضيلة، وبناء وطن معافى من الأحقاد والأطماع، نشرك الجميع في الخير، ونلزم الجميع بالأمانة، ونحاسب ونعاقب ونردع ونحاكم كل من يثبت عليه الفساد، لا نجامل ولا نتوارى ولا نتراجع في الحق مهما كلفنا من أمر، ويجب علينا أن نعامل الشعب الصابر باحترام لفكره، وأن لا نعتبر أن المباريات وفك وتسجيل اللاعبين وأغاني الفنانين والاحتفالات، ستصرفهم عن انتظار تلك المحاكمات والمحاسبات، فالكل يترقب وينتظر بوعي وحذر، ما ستسفر عنه النهايات. حتى لا يكيل الفساد عين حماد كما كالها الرماد، حينها سينعدم النظر والبصر ونعيش في ظلام دائم .