البراعة التي أظهرتها السلطات المختصة بولاية غرب كردفان بالتعاون مع وزارة النفط والأجهزة الأمنية المعنية بتأمين النفط وعلى رأسها إدارة أمن البترول في تعاملها مع حادثة اختطاف الأجانب الثلاثة حتى نجحت في إطلاق سراحهم، هذه البراعة والجهد المضني الذي بذلته هذه الجهات تستحق الإشادة والثناء، ونأمل أن يتواصل هذا الجهد بنفس الوتيرة لإطلاق سراح السودانيين الخمسة الذين لا يزالون في قبضة المختطفين حتى كتابة هذه السطور، وعلى القائمين على أمر تأمين حقول النفط استلهام العبر والدروس من هذه الواقعة حتى لا تتكرر لما قد تلحقه من أضرار بهذا القطاع الحيوي. هذه الحادثة تجعلنا نطلق نداءً وبالصوت العالي بضرورة رفع سقف عمليات تأمين النفط في كل الحقول بالبلاد، وعلى وجه السرعة ودون إبطاء، وفي تقديري أن هذا الأمر يحتاج إلى نفرة كبرى تحت مظلة ورعاية ومتابعة خاصة جداً من قبل القيادة السياسية العليا بالبلاد، وأن تنظر هذه القيادة الى قضية تأمين النفط باعتبارها قضية «أمن قومي» من الدرجة الأولى، وبالتالي عدم التهاون مع من يسعون إلى استهداف هذا المرفق الحيوي بالتخريب وإشاعة التوتر والإيقاف المتكرر لعمليات الإنتاج فيه، لذلك فمن الضروري أن يتم استنفار جهود وطاقات ثلاث جهات رئيسة بالدولة بصفة أساسية. الجهة الأولى هي وزارة النفط بحكم ولايتها المباشرة على هذا المورد الحيوي وبالتالي تعتبر رأس الرمح في هذه النفرة بما لديها من معرفة فنية متقدمة بكل ما يتعلق بالنفط وبما لديها من علاقات مباشرة مع الشركات العاملة في قطاع النفط، فهي التي يقع على عاتقها إجراء عمليات الاستكشاف وإبرام العقود مع الشركات المنقبة وهي المسؤولة عن كل ما يتعلق بالاستثمار في مجال النفط. وتأتي من بعد ذلك القوات النظامية بكل مسمياتها باعتبارها مسؤولة مسؤولية مباشرة عن تأمين حقول النفط ومنشآته المختلفة والعاملين بهذه الحقول، وهي مسؤولية كبرى وضخمة في ظل التحديات الأمنية الكبيرة التي تواجهها هذه القوات كل في نطاق مهامه وواجباته، وفي هذا الإطار فإن هذه القوات تحتاج إلى «خطوات تنظيم» ومراجعة لخطط التأمين لتتماشى وتتسق مع المستجدات السياسية والاقتصادية وتطورات الحالة الأمنية بمناطق التنقيب التي طرأت على هذا الصعيد، وتأخذ في الحسبان حالة السيولة الأمنية والفوضى وغياب السلطة في دولة جنوب السودان ومن ثم البحث في كيفية تأمين انسياب وتدفق سلس ومستمر لنفط جنوب السودان عبر الأنابيب والمنشآت السودانية داخل الأراضي السودانية بعد انتهاء الحرب هناك واستتباب الأمن والاستقرار في الدولة الجنوبية ولتوفير بيئة آمنة وصالحة لاستمرار عملية الإنتاج وزيادة معدلاته في كل الحقول خاصة تلك التي تقع في ولايات كردفان، ويتطلب تحقيق هذا الهدف انتشاراً أوسع للقوات المسؤولة عن التأمين وزيادة أعدادها وتدريبها على هذا النوع من عمليات التأمين وتزويدها بالإمكانيات والمتطلبات الضرورية التي تمكنها من القيام بدورها على أكمل وجه. والجهة الثالثة التي يجب أن تستنفر هي الجهات العدلية، حيث أن من المعروف أن أعمال التنقيب وما ترتبط به من عمليات أخرى مساعدة تنتج عنها مشكلات عديدة على رأسها النزاعات التي تنشأ حول التعويضات، إضافة إلى الظواهر الأخرى من سرقات وقطع للكوابل وعمليات التخريب المتعمدة للمنشآت التي تقوم بها بعض الجهات بدوافع مختلفة، مما يقتضي ويتطلب أن يكون هناك حضور كمي ونوعي للجهات العدلية بالحقول ومواقع الإنتاج للتعامل مع كل تلك القضايا بالسرعة المطلوبة، لأن عنصر الوقت مهم ومفصلي في عمليات إنتاج النفط وفي كثير من الأحيان تتكبد الدولة خسائر كبيرة نتيجة لتوقف العمل في الحقول لأسباب متعلقة بقضايا تعويضات بسبب تأخر البت فيها. ولئن كان التهديد المباشر الذي مثّلته حركات التمرد المسلحة لهذه الحقول قد انحسر الآن إلى حد كبير، إلا أن هناك تحديات ومهددات غير مباشرة لها تأثيرها السالب على عمليات الإنتاج، ومن هذه المهددات الإيقافات المتكررة للعمل التي يقوم بها البعض لأسباب مختلفة، وعمليات التخريب المتعمدة وحوادث السرقات والنهب التي يرتكبها بعض المتفلتين هنا وهناك والصراعات القبلية وما ينتج عنها من مواجهات مسلحة تندلع من وقت لآخر في محيط مناطق الإنتاج. وأوكد على أهمية الوجود المستمر للجهات العدلية بالحقول، أقول ذلك من واقع تجربة ميدانية عايشتها أثناء عملي بهذا القطاع المهم وانطلاقاً من هذه التجربة فإني أصدع بالقول إن أهم ركن من أركان عملية تأمين حقول النفط هو نشر سلطة القانون وبسط هيبة الدولة في هذه المناطق.