كثيراً ما تستعر قبة البرلمان بالعديد من النقاشات الحادة في القضايا السياسية عامة، وتنحو نحو كيفية اتخاذ القرار الحاسم لها، وعندها تفقد السيطرة على زمام التصريحات، فتُطلق تارة تهديدات وأخرى تحذيرات تجاه ما يدور من قضايا في الساحة. هذه التصريحات تمثل هوية البرلمان الواضحة، بتمثيله لجميع القوى السياسية، ولهذا ظهرت التطورات التي حركت الرأي العام لربما كانت هي السبب الذي تموج به قباب البرلمان، فتخرج بذلك عن المألوف بإخراج الحكومة لأسلحتها البيضاء للقضاء على الرؤوس السوداء والحرب على الفساد. الرؤية القانونية نجد أن القانون الذي يحكم أعمال المجلس هو لائحة تنظيم أعمال المجلس الوطني، وأن الوزراء يقدمون خطابهم أمام البرلمان في حالتين هما: البيان السنوي الراتب عن أداء وزارته، وعند استدعائه بطلب من النواب في مسألة مستعجلة تخص وزارته، وأن البرلمان رغم أنه سلطة رقابية على الحكومة وليست لديه سلطة سحب مباشر للثقة عن الوزراء إلا أنه يوصي بسحب الثقة عن الوزير المعني ورفع التوصية للرئيس، والذي من سلطته إجازة سحب الثقة من عدمها. تمايز الولاء التفريق بين الانتماء للوطن والحزب، حالة تجتاح العديد من الكراسي البرلمانية، وفي ظل عدم سحب الثقة عن أي من وزرائه الذين يرى بعض المراقبين أنهم لا يهتمون بالحضور للبرلمان والذي فيه دلالة على أن البرلمان غير قادر على ممارسة دوره الرقابي، وإن تعامل البرلمان الهش مع الوزراء مرده إلى أن الانتماء الحزبي لديهم أعلى من الانتماء للوطن، وهو الحديث الذي نفاه القانوني د. إسماعيل الحاج موسى خلال حديثه للصحيفة بتأكيده أن أي عضو يؤدي القسم على انتمائه للمجلس الوطني، بذلك هو مقيد بصورة أخلاقية بقانون المؤتمر الوطني، إلا أن ذلك لا يعني أنه مقيد ولا يستطيع الحديث أو التعبير عن رأيه حول السياسات الموضوعة، والدليل على ذلك ما يحدث من نقاشات حادة داخل القبة البرلمانية. والحديث حول سحب الثقة من المسؤولين، الذي لم تحمل السيرة البرلمانية سحبها عن أي وزير كما ذكر سابقاً تتطلب ضرورة الحاجة إلى تفعيل دوره عبر نص مباشر يعطي النواب سحب الثقة مباشرة دون الرجوع لرئيس الجمهورية، وهو ماذهب إليه المحلل السياسي د. عبد اللطيف البوني بقوله إنه من حيث المبدأ لا بد أن يكون البرلمان فعال جداً عبر سلطته التشريعية والتنفيذية بصورة حقيقية كما يحدث في البرلمان الإيراني، ولكنه استدرك بقوله إن البرلمان السوداني لا يستطيع القيام بهذا الدور لأن أعضائه تم ترشيحهم من قبل الحزب الحاكم ولم يأتوا بهويتهم الفردية، وبالتالي يقعون تحت حكم مظلته، وأرجع الخلل في ذلك إلى أن طريقة انتخابه لا تعطيه فرصة ادراج ذاتية افراده لأحكام سيطرته، وأكد أن ما يحدث الآن من الأعضاء "هرشة ساي" للوزراء والمسؤولين. مفهوم التهديدات أخذ مفهوماً آخر لدى القانوني د. إسماعيل الحاج موسى بقوله إن ما يخرجه أعضاء البرلمان من هواء ساخن لا يمثل تهديدات بل تحذيرات حتى يأتي كل مسؤول ببيانه، والذي إن وجد إنه غير مقنع فإنه يكتب لرئيس الجمهورية بأن المجلس لا يثق في التقرير الذي قدمه الوزير أو الوالي المعني. أيضاً نجد حالات الشد والجذب التي تسيطر كثيراً على جلسات البرلمان حول كيفية طرح القضايا وتوجيه الاتهامات، تحدو ببعض الأعضاء إلى القول أن التقارير التي تصدر تصب في سلبيات الحكومة فقط وتنأى عن إيجابياتها، بينما يبرئ بعضهم ساحته من الملاحقة التاريخية وعدم الخوض في حديث عن تجاوزات المال العام، مما تحمل تقاطعات كثيرة تصب في جانب أن هناك سياسة خفية تسعى خلسة نحو اتخاذ القرارات وكيفية إدراج العقوبات. توعد وتهديد في حديث سابق أعلن رئيس المجلس الوطني د. الفاتح عز الدين بأنه سيطلق يد النواب في مساءلة الوزراء، وانه لا توجد قدسية لأحد مهما كانت مكانته الحزبية أو بعده أو قربه من البرلمان، وأن الاستجواب سيكون موجعاً وحارقاً. فهل نشهد فيما تبقى من عمر للبرلمان بخطوات جادة تجاه المقصرين من الوزراء، أم يكتفي البرلمان بالتهديد والوعيد؟.