لا يهم كثيراًَ أن ينعقد مؤتمر للإعلام في السودان، فالمؤتمرات على قفا من يشيل، والكلام كما قال أحد الأصدقاء إن قريباً له اتصل عليه هاتفياً وقال له الآن فقط علمت أن السلام صار بالفلوس بعد أن اشتريت رصيداً لهاتفي كي أجري محادثة تلفونية حتى أسلم عليك وعلى أسرتك. فقد مضى زمن السلام بالمجان والكلام بالمجان والمؤتمرات بالمجان، وبهذه المناسبة كم بلغت تكلفة مؤتمر الإعلام الذي تقوم وزارة الإعلام بتنظيمه هذه الأيام. ولمن وجهت الدعوة لحضور هذا المؤتمر ونحن صحافيون محترفون وكتاب وحملة شهادات عليا في الإعلام والصحافة ولم تصلنا دعوة لحضور هذا المؤتمر أو المشاركة في لجانه، وإذا عدنا لمؤتمرات الإعلام التي تم عقدها في السودان وهي عديده نجد مؤتمر قضايا الإعلام الذي تم عقده في العام 1991م تحت إشراف مجلس قيادة ثورة الإنقاذ الوطني وخاطبه اثنان من مجلس قيادة ثورة الإنقاذ الوطني هما العميد سليمان محمد سليمان واللواء التجاني آدم الطاهر كما خاطبه وزير الإعلام يومها البروفيسور علي محمد شمو، وكان شمو قد أعلن في ذلك المؤتمر عن إستراتيجية الإعلام في السودان والتي قامت الوزارة بإصدارها في مجلس قيادة الثورة ومجلس الوزراء ووزارة الإعلام فأين تلك الإستراتنيجية؟ وقد صدرت توصيات ذلك المؤتمر في كتاب ضم أوراق العمل التي تم تقديمها من قبل أساتذة وباحثين وصحافيين ولم تترك شاردة ولا واردة في مجال الإعلام والصحافة، وكانت النتيجة المباشرة لذلك المؤتمر هي إنشاء مجلس للصحافة والمطبوعات وصدور أول قانون للصحافة والمطبوعات في عام 1993م نظم صدور الصحف من خلال شركات مساهمة عامة تملك الحكومة فيها نصيب الأسد، وما تم إعلانه أن المؤتمر الذي نحن بصدده أو صده لا أدري يجيء ضمن فعاليات الحوار الوطني الذي تم الإعلان عنه في لقاء المائدة المستديرة «ولأن الحال من بعضو» كما يقولون واجهت مؤتمر الإعلام كما واجهت الحوار عدة عقبات ومصاعب، ومن بين هذه المصاعب إغلاق الصحف ومصادرتها بعد الطبع. ولكن المهم في الأمر أن وزارة الإعلام ووزيرها الدكتور أحمد بلال قد أعلن عن إستراتيجية وزارة الإعلام، ونحن قلنا يا راجل صلي على النبي قل خطة وزارة الإعلام الإستراتيجية مسألة كبيرة جداً وليست إستراتيجية بمعنى إستراتيجية للإعلام في السودان. وكل ما هناك سياسات إعلامية يقوم بوضعها مجلس الوزراء ولكل وزارة من الوزارات بما فيها وزارة الإعلام خطة عليها إنفاذها في إطار السياسة الكلية للدولة أو الحكومة. وإذا نظرنا للصحافة نجد ما ينظم العمل الصحفي في السودان هو قانون الصحافة والمطبوعات والحكومات الوطنية وعلى رأسها الإنقاذ هي الأكثر والأسرع «في سن القوانين وتعديلها» من حين إلى آخر. فالإنجليز مثلاً لم يسنوا قانوناً للصحافة في السودان إلا بعد أكثر من ثلاثين عاماً من حكمهم للبلاد، ولم يتغير هذا القانون حتى استقلال السودان، ورغم العيوب التي يشتمل عليها قانون الصحافة والمطبوعات إلا أن الذي يحكم الصحافة هو قانون الأمن الوطني وحال الصحافة يغني عن سؤالها. أما الإذاعة والتلفزيون فإن ما يتحكم فيهما هي هيئة البث. وهيئة البث تتبع لوزارتي الإعلام ووزارة الاتصالات، يعني مجلس الوزراء والهيئة هي التي تصدق بإنشاء إذاعات ال «إف إم» والإذاعات في الولايات، وكان الإعلاميون قديماً لا يستطيعون انتقاد هيئة البث باعتبار أن احتكارها للأثير شر لا بد منه والمبرر هو تنظيم الموجات وتوزيعها على مستخدميها بعدالة، ولكن كلما تقدمت تكنلوجيا الأقمار الصناعية تقلص دور هيئة البث والاتحاد الدولي للاتصالات السلكية واللاسلكية المنظم لهذه الخدمة بين الدول، فهل إستراتيجتنا الإعلامية مستوعبة لهذا المتغير المهم محلياً وعالمياً؟ أما الإذاعة والتلفزيون فهما في كل العالم هيئة واحدة مثل هيئة الإذاعة البريطانية وراديو أمريكا وكذا الحال في مصر وفي السودان تم دمجهما ثم انفصلا عن بعضهما البعض وأخيراً صدر قانون الهيئة العامة للإذاعة والتلفزيون ولكن العاملين في الإذاعة «رجالة كدا» ما عايزين الإندماج مع التلفزيون في هيئة واحدة لأسباب يقولونها سرا وجهرا ووزارة الإعلام صاحبة الإستراتيجية الإعلامية لا تستطيع أن تدمج هذين الجهازين الحكوميين في هيئة واحدة لأنها لا تستطيع أن تحدد من هو مدير الهيئة القومية للإذاعة والتلفزيون وما هي سلطته على كل من مدير الإذاعة ومدير التلفزيون وهل هيئة البث هي سيدة الكل وهي صاحبة الفيتو الشهير في حادثة القرض الصيني لتلفزيون السودان. والذي أعلمه جيداً أن مؤتمراتنا لا تناقش الواقع ولا تستطيع تغييره ولكنها تتحدث حديثاً نظرياً. وخير دليل على هذا الحديث البعيد عن الواقع الإستراتيجية التي قامت وزارة الإعلام بإصدارها وتسليمها مسؤولين في الدولة وهي لم تنص على أهم إستراتيجية وهي الحرية الإعلامية ولا عن دور الإعلام في السودان في ظل تعددية سياسية ولا عن دور وسائل الإعلام في التنمية وهو دور أصيل في دولة من دول العالم النامي مثل السودان، ولكن هذا الدور مقترن بحرية التعبير وليس بالمسؤولية الإعلامية التي صارت شماعة لقمع حرية الصحافة لكون العالم الغربي قد شعر بسطوة الصحافة الصفراء وانتشارها على حساب الصحافة الرصينة، لذلك جاءت المناداة بنظرية المسؤولية الاجتماعية، وهي ليست نظرية ولكنها توصية للجنة من اللجان في الولاياتالمتحدةالأمريكية والبعض يريد من هذه النظرية فرصة لممارسة الدكتاتورية على وسائل الإعلام .