منذ إطلاق الرئيس البشير لمبادرة الحوار الوطني في يناير الماضي، كان حزب الأمة بزعامة رئيسه الصادق المهدي من أبرز قادة المعارضة المؤيدين لمبادرة الحوار ومن الأحزاب التي ساندت قيامه ودعمته بقوة. وظل يدعو الأطراف المعارضة للانضمام لركب الحوار حتى لحظة اعتقاله على خلفية انتقاده لقوات الدعم السريع التي تتبع لجهاز الأمن والمخابرات، وظل المهدي يؤكد في تصريحاته من داخل السجن على دعمة للحوار الوطني، وكان الاعتقال قد خلق هوة كبيرة في الثقة وإطلاق الحريات التي أطلقها الرئيس بين الحكومة ممثلة في المؤتمر الوطني وبقية الأحزاب السياسية التي أعلنت مشاركتها في الحوار، وقرر على إثرها حزب الأمة تعليقه المشاركة في الحوار ,كما رأت العديد من الأحزاب السياسية المشاركة أن الحوار الوطني انحرف عن مساره الصحيح مما قاد حركة الإصلاح الآن وبعض الأحزاب إلى تعليق مشاركتها ورهنت عودتها بان يتلزم الوطني بما وعد به من حريات للسير قدماً في الحوار الذي بدأ ولم تنطلق مسيرته حتى الآن رغم تكوين مسمياته قبل أكثر من ثلاثة أشهر، وبعد وساطات ماكوكية أطلقت السلطات سراح الصادق المهدي بعد شهر من الاعتقال، ويرى مراقبون أن إطلاق سراح الصادق المهدي جاء بناء على تسوية تمت خلف الكواليس تقضي بالإفراج عنه مقابل مواصلته الحوار مع الحكومة، الأمر الذي نفته تصريحاته الأخيرة والتي وصف فيها مبادرة الرئيس عمر البشير للحوار الوطنى الشامل ب «الفجر الكاذب»، مشيراً إلى أنها انهارت أمام أول اختبار لحرية الرأي. وطالب رئيس حزب الأمة القومي بكفالة الحريات وإطلاق سراح كل المحبوسين لمساءلات سياسية، خاصة رئيس حزب المؤتمر السوداني إبراهيم الشيخ، وطلاب جامعة الخرطوم الثلاثة كواحدة من أهم استحقاقات الحوار. وأكد المهدى أن المبادرات العديدة التي قدمها أقنعت كثيرين بجدوى الحوار وحظيت بقبول أوساط دولية، وقال «مع كل هذه الإنجازات ضاق النظام ذرعاً بحرية الرأي والنصيحة الصادقة مما كشف عن هشاشة عملية الحوار الموءودة".وتابع الصادق المهدي عندما دعا الرئيس البشير لحوار بلا سقوف لا يستثنى أحداً ولا يسيطر عليه أحد عمت البلاد موجة من التفاؤل بفجر جديد فى الوطن، فالعملية انهارت أمام أول اختبار لحرية الرأي. ويري المحلل السياسي د. الفاتح محجوب أنه يجب التفريق بين الخط الإستراتيجي والمرحلي للصادق المهدي، موضحاً أن خط المهدي الإستراتيجي واضح ويتمثل في إنهاء الحكم العسكري باتفاق سلمي إستراتيجي، ووجد ضالته في تصريحات الرئيس بإطلاق سراح السجناء السياسيين، وأن الحوار سيطول الجميع، ولكنه صدم صدمة كبيرة فيما عرف بالردة المرحلية من قبل القائمين على أمر السلطة واعتقال السياسيين وإيقاف بعض الصحف لتناولها بعض القضايا، كل ذلك مثل له ردة مؤكداً أن موقفه لا يعني تنازله عن خطه الإستراتيجي فالحوار ثم الحوار لسبيين هما أنه والترابي يتفقان على أن مسألة الحوار من المسائل الإستراتيجية بمعنى أن البلاد لا خيار أمامها غير التحاور، مؤكداً أن التبادل السلمي للسلطة هو الخيار الأفضل، مشيراً إلى ما تشهده دولتا ليبيا والصومال من صراعات، موضحاً أن الصادق يهدف من التصريحات الأخيرة إلى جر الدولة إلى مربع التزامها الأول ببسط الحريات وإطلاق السجناء السياسيين كشرط جوهري لاستمرارية الحوار. وقال إن العملية السياسية تخضع لتجاذبات تمليها دوافع منها القتال الدائر في جنوب كردفان والتي ألقت بظلالها على مسار الحريات وانفتاح الصحف التي قيدت، وقال إن النظام لم يتعلم كيفية التعامل مع صحافة منطلقة بدون قيود وإن الصحافيين يحتاجون إلى وقت للتعامل مؤكداً أنها لا تعتبر ردة عن الحوار وأن الأطراف جميعها في طور التعلم والتعود على كيفية ممارسة الحريات، وخلص د. الفاتح إلى أن الصادق يهدف إلى الضغط على النظام لإجباره على تقديم تنازلات جوهرية تمثل ضمانات حقيقية وأن الحوار سوف يفضي إلى اتفاق رسمي حول كيفية التداول السلمي للسلطة والوصول إلى دستور متفق عليه من قبل الأطراف وهذا ما ذهبت إليه حركة الإصلاح الآن عندما قررت تجميد نشاطها في الحوار. و يرى مراقبون أن إعتقال الصادق المهدي أدى إلى تأرجح الحوار الوطني، فهناك من يرى إمكانية نجاحه في وصول الأطراف إلى حل سياسي بشأن أزمات البلاد، أو بتقديم الحكومة المزيد من التنازلات من باب إبداء حسن النية من جهة الحكومة، مقرين بأنه في حال تمسك كل أطراف الحوار بمواقفه فإنه سيكتب للحوار الفشل.