طيلةَ حياتي هنا في أرض الحرمين، تعاملتُ وتكلّمتُ مع معظم الشعوب العربية، وقضيت مع بعضهم سنين طويلة، و تأملتُ في دينهم، وأخلاقهم، وطريقة تعاملهم، فوجدت أعجبهم وأغربهم هو الشعب السوداني، بلا نزاع أو منافَسة! سبحان الله، ما قصة هذا الشعب؟ لماذا هو هكذا؟ كأن الإبتسامة لم تُخلق إلا من وجه مسلمٍ من أرض السودان، وكأن حُسن الخُلُق مُحتكرٌ لهم والله!، فإذا رأيتُ عربياً حَسَنَ الخُلُق، فلن أتعجب إذا قفزت إلى ذهني خاطرة تقول: «إنه قد نشأ في بيتٍ سودانيّ!». لا والله لن أتعجب من ذلك. يا أهل السودان، ما سرُّكم؟ كيف يمكن لأعداد غفيرة من الناس، من شتّى الطبقات والأعمار والبيوت، وأساليب التربية، أقول: كيف لهؤلاء كلّهم أن يتّفقوا على أن يكونوا أحسن شعوب العرب أخلاقاً؟ كيف اتُفقوا ألا تَبرحَ الابتسامة ثغورهم؟ كيف اتّفقت هذه المجموعات المختلفة، في بلد واسع المساحة «ما شاء الله» أن يكونوا «قدوةً» لجميع شعوب العرب - بل جميع شعوب العالم والله - في حُسن الخلق ودماثة الطبع؟ لم أرَ والله كَشَعب السودان في الطيبة، والدماثة، وحُسن الخُلُق. إنهم يقفون عالياً فوق جميع شعوب العالم «وليس الشعوب العربية فقط»، فبعض الشعوب الغربية تُكثر الابتسام، لكن ليس لديهم الشهامة الإسلامية التي يملكها أهل السودان، والبعض قد يملك الشهامة، لكن لا يعرف بشاشة الوجه، والبعض قد يتبسّم في وجهك ويذمّك إذا ما ولّيتَ، لكن هذا الشعب المدهش يجمع كل ما طاب وحُسنَ من الأخلاق، والذي يدهش هو نسبة من يمتلكون هذه الطيبة وحُسن الخلق: ليس البعض«، ولا الكثير»، بل .«الأغلبية الساحقة»، ولكل قاعدةٍ شواذّ طبعاً، لا يزيدون القاعدة إلا تأكيداً. و كأن هذه الفضائل المدهشة لا تكفي، فقد طبّق إخواننا المسلمون في السودان قول رسول الله: «من تشبَّه بِقومٍ فهو منهم»، و أنا والمسلمون نشهد أن شعب السودان قد تشبه ليس بأخلاق رسول الله فقط بل حتى بلِباسه! فهذه العمائم المَهيبة والثياب البيضاء الفضفاضة «والتي تريح أنظارنا قبل أجسادهم» لهي مِن أشبه المظاهر بِمَظهر رسول الله و صحبه الكرام، إن لم تكن أشبهها على الإطلاق. عندما أرى إخوةً من السودان، فهذا والله ينقلني للقرن الأول الهجري، وهو العصر الذي يثير الشجون، عصر رسول الله وأصحابه، أعظم قرون التاريخ، فكأني أرى لمحةً من قرية مسلمة في زمن رسول الله: عمائم حسَنَة المظهر مَهيبة المطلع، وثيابٌ! عربيةٌ خالصة، وأخلاقٌ تؤدِّب أمماً. لله درّكم. يا شعب السودان، أنت عظيمٌ بدماثتك. يا شعب السودان، أنت قدوةٌ بطيبتك. يا شعب السودان، أنت مَثَلٌ ببسمتك. يا شعب السودان، والله، وبالله، وتالله، إننا نحن مسلمي الجزيرة نحبكم في الله، حبّاً صافياً لوجه الله، فسيروا على منهج الأخلاق الإسلامية والعروبة الأصيلة هذه، لا تحيدون عنه، وأسأل الله أن يجمع المؤمنين منكم ومنّا في دار السلام بعد يوم الحساب، إنه سميعٌ مجيب. من أصل المسألة: ماذا أقول لهذا الأخ السعودي بالله عليكم؟ هل أقول له كذبت؟وكيف أقول له كذبت وهو صادق يحدث بما رأت عيناه وسمعت أذناه؟ وأنا أقول رغم أنني طفح بي الكيل مما ترى عيناي وتسمع أذناي إن هذه صفات متجذرة في وجدان الشعب السوداني المسلم رغم كل هذا الران الذي خلفه ربع قرن من التدليس والنفاق والفساد والإفساد.. وإن كل الذي يحتاجه الشعب هو استنفار هذا المخزون الإستراتيجي من القيم إسمية وإنسانية.. يحتاج إلى أنموذج تتسلط عليه أضواء.. وإن النماذج موجودة ومتوفرة وكل الذي تحتاجه القليل من استفزاز لتنطلق وتقود وتسود. إن بعض النماذج السالبة تغالط هذه الرؤية وهي تغير من قناعاتنا ذلك لأنها ليست هي القاعدة وهي نقض للقاعدة.. ونفي لها.. بل إن القاعدة تحتادها لأنها كما يقولون هي استفتاء الذي يثبت القاعدة وينفيها.. والآن هناك سؤال نوجهه إلى كل سوداني: هل أنت القاعدة أم استثناء؟ اجب وكن على قدر التحدي.. وخذ موقعك.