وقف د. عمر نور الدائم بالبرلمان إبان الفترة الحزبية الأخيرة يتحدث عن إنجازات حكومته، فقاطعه زعيم الحزب الشيوعي محمد إبراهيم نقد وقال بسخرية «أوع تحسب الخريف كمان من إنجازات وزارتك» فانفجر البرلمان بالضحك بمن فيهم أعضاء حزب الأمة بينما اكتفى المرحوم عمر بالابتسام ثم واصل خطابه دون تعليق، ولعل رد الفعل من جانب د. عمر يكشف عن شخصيته المتسامحة غير المصادمة فهو لم يغضب ويحاول الرد انتصاراً لذاته خاصة فالنقد كان ساخراً وقوبل بعاصفة من الضحك من الحاضرين. وبالرغم من أن عمر نور الدائم نال قدراً عالياً من التعليم الأكاديمي لكنه تميز بالبساطة والعفوية في التعامل والحديث، فقد تخرج في جامعة الخرطوم هندسة الزراعة الآلية عام 1957م وحصل على درجة الدكتوراه من ذات التخصص بألمانيا الديمقراطية عام 85-6391، وعمل في العمل السياسي بحزب الأمة منذ فترة مبكرة من حياته وتمكن من دخول الجمعية التأسيسية «البرلمان» 1965 عن دوائر الحزب، لكنه ولج قبل ذلك الحياة العملية فقد عمل مساعد مفتش زراعي بمشروع تنمية الزراعة الآلية بمنطقة الدالي والمزمزم عام 57 -5891 ثم باشمهندس الزراعة الآلية لمشروع خشم القربة عام 63 -6491م. عندما وقع انقلاب مايو 1969 بقيادة جعفر نميري غادر د. عمر نور الدائم البلاد إلى ليبيا حيث أسهم في تأسيس كيان معارض سمي الجبهة الوطنية التي كانت لها فيما بعد معسكرات عسكرية في ليبيا وإثيوبيا، وعرف بالنشاط والحيوية في الحراك السياسي وكان من العناصر المخططة لانقلاب 1976 وقيل إنه من المفترض أن يأتي بطائرة مع الصادق المهدي بيد أن الانقلاب سرعان ما تم وأده وإعدام منفذيه، وعقب نجاح انتفاضة أبريل 1985 تولى مناصب وزارية في حكومة الائتلاف الحزبي كانت لحزب الأمة فيها مشاركة أوسع بحكم الأصوات الانتخابية التي حصل عليها، حيث أسندت إليه وزارة الزراعة 1986 حتى 1988، ثم وزارة المالية حتى قيام الإنقاذ في العام 1989م. وحزبياً كان عضو المكتب السياسي لحزب الأمة وأمين أمانات الحزب ثم انتخب في أبريل 2002 نائباً لرئيس حزب الأمة، لكنه أيضاً ولج البرلمان مرتين، إبان فترة ما بعد حكومة ثورة أكتوبر 1964 وكان عضواً فيه في عامي65 والثانية كانت في 1967م. تميز المرحوم عمر نور الدائم بالصراحة والوضوح والكرم وقيل إنه عندما يطلب منه أحد مالاً يدخل يديه في جيبه مبتسماً ويقول للطالب «إنت وحظك» ثم يخرج منه المال دون أن يعده. وإذا كان د. عمر كريماً «فنجرياً» فإنه بذات هذه الخصلة كان يتعاطى السياسة دون رتوش وتذويق حتى أنه انتقد بصراحته الشديدة الأوضاع في حكومته في خطبة مشهودة وموثقة جزء منها بالفيديو، ولعلها كانت في البرلمان. حيث قال «بصراحة لا يعجبني الوضع الاقتصادي وهناك تردي شديد والإدارات ضعيفة»، وربما هذا الحديث يؤكد أن الرجل لم يكن ظلاً للصادق المهدي كما ادعى البعض، وقطعاً فإن ذلك الحديث لم يكن يعجب الصادق المهدي لكن بالطبع كان يعلم إخلاص د. عمر له والصداقة الحميمة التي تربطهما، فضلاً عن انتمائه القوي لحزب الأمة. كذلك تميز د. عمر بالتواصل الحميم مع معظم قوى الطيف السياسي، وكان محبوباً لصدقه وعفويته. وفي حوار مع الأستاذ أحمد البلال في برنامج «في الواجهة»، قال «الأيام ديه نحن متفرغين لتقديم الفواتح والعزاء لأهلنا الأنصار وطبعاً ده ذاتو عمل سياسي لأنو السياسة في السودان ما بتنفصل عن الاجتماعيات» ثم قال ضاحكاً «والله أنا خايف في واحدة من المشاوير ديه نروح فيها» كما عرف أيضاً د. عمر بالنزاهة وطهارة اليد وكان زاهداً في المال حتى قيل إنه لم يكن يملك حساباً مصرفياً. عقب انقلاب الانقاذ عام 1989 سافر في منتصف التسعينيات إلى لندن ثم أسمرا والقاهرة معارضاً ضمن التجمع الديمقراطي المعارض وعاد إلى البلاد في عام 2002 بعد توقيع حزب الأمة مع الحكومة اتفاقية جيبوتي وفي الفترة الأخيرة يقال إنه لم يعد متحمساً للعمل السياسي كما لم ينخرط في الخصومة مع منشقين من الحزب بقيادة مبارك المهدي بحسب ما ذكره أحد معارفه في أحد المقالات الصحفية. في اليوم السادس والعشرين من عام 2003 الموافق غرة رمضان فاضت روح د. عمر نور الدائم إثر تعرض سيارته لحادث مروي إثر اصطدامها بعربة لوري كانت متوقفة بجانب الطريق بالقرب من منطقة قرية الياقوت عندما كان قادماً من عزاء أحد أقطاب حزب الأمة وشارك في تشييع جثمانه العديد من القيادات الحزبية على اختلاف ألوانها السياسية وقالت سارة الفاضل إنها لم تر دموع الصادق المهدي منذ أربعين عاماً إلا في جنازة د. عمر نورالدائم. إذن تحققت نبوءة الراحل عمر بأنه قد يموت في إحدى تلك المشاوير الاجتماعية « والله خايف في واحدة نروح فيها» لكن بالطبع فإن سيرة الرجل النقية ستظل كامنة ولا يمكن لأي مؤرخ منصف أن يتجاوزها.