هذا الكلام عن تهميش الأبيض لبقية المناطق في شمال كردفان لا علاقة له بعدم دعوتنا لحضور بدء العمل أو تدشين طريق أم درمان جبرة الشيخ بارا. فقد كتب هذا القلم عن هذا الطريق وأراق الكثير من المداد من قبل أن يفيق الكثيرون من نومهم ويصبح العشاق عشاقاً كما يقول الشاعر... فقد قلت إننا على امتداد محليتي سودري وجبرة الشيخ ليس لدينا سنتمر واحد من الأسفلت، ونحن الذين خططت حكومة السودان أول طريق للأسفلت في منطقتنا وهو طريق الأربعين الفاشرأم درمان وتم إحضار الآليات ووضع ميزانية لرصف الطريق. ولكن إعلان استقلال السودان من داخل البرلمان وليس بواسطة الشعب عطل قيام طريق الأربعين وهو طريق حيوي كان على الحكومات المتعاقبة منذ الخمسينيات أن تقوم برصفه ولكنها لم تفعل، وأعتقد أن الحال سيظل على ما هو عليه بعد أن تحول الاحتفال بتدشين بداية العمل في الطريق من جبرة الشيخ إلي بارا وقيل إن رصف الطريق يبدأ من جريجخ في محلية بارا بشمال كرفان «وجريجخ» هذه لا تمر بها إلا عربتا «الضرائب والزكاة» لجمع عوائد القطعان وزكاتها من سودري وجبرة، أما الحركة الاقتصادية المعتبرة تأتي من دارفور عبر مناطق شمال كردفان إلى أم درمان وبالعكس وهذه حركة تجارية كبيرة وكان يجب أن تعطي الأولوية ويتم رصف الطريق من أم درمان إلى جبرة الشيخ كمرحلة أولى ويمكن ترك بارا نهائياً لكون بارا موصولة بطريق مسفلت حتى الأبيض ثم الخرطوم، وإذا وصل الطريق جبرة الشيخ ويمتد حتى حمرة الشيخ وأم بادر مروراً بسودري يمكن لولايات دارفور أن تدخل في شراكة مع شمال كردفان لتوصيل الطريق إلى أم كدادة حيث يبدأ طريق الإنقاذ الغربي ثم الفاشر وبذلك نكون قد وصلنا طريقاً اقتصادياً يتناسب وحركة التجارة في غرب السودان كله وليس طريقاً سياسياً تنتقص جدواه كلما اتخذ مساره الحالي في ظل ظروف صعبة وأوضاع مأساوية يعاني منها إنسان شمال كردفان الذي يفتقر لأدنى مقومات الحياة في الصحة والتعليم وخدمات المياه والكهرباء. ألم أقل لكم إن الأبيض تهمشنا وعندما تهمشنا الأبيض لا تهمشنا بأهلها الطيبيين الذين هم أهلنا يتألمون لما نتألم له ويفرحون لفرحنا، ولكن الأبيض تهمشنا بالمجموعات المتنفذه التي درجت على الالتفاف حول الولاة وتجعل دورهم لا يتجاوز الحديث عن مشروعات حفظناها عن ظهر قلب وإلى يومنا هذا لم تنجز على أرض الواقع من بين هذه المشروعات حدوتة مياه الأبيض وغيرها. وعندما تهمشنا الأبيض تهمشنا بنخبها السياسية التي لا تتجاوز أصابع اليد الواحدة، هذه النخب هي التي ظلت تختار الولاة من الأبيض منذ الفاتح بشارة إلى يومنا هذا وفي الانتخابات الماضية اختار المؤتمر الوطني ثلاثة مرشحين لمنصب الوالي لم يفتح الله عليه أن يكون أحد هؤلاء المرشحين من هذه المنطقة التي تمتد من الأبيض جنوبا حتى جبل العوينات شمالاً، ولم يكن نصيب هذه المنطقة إلا معتمد أو رئيس مجلس تشريعي لا ينبس ببنت شفة فتات يعني، وقديما قال الأب فيلب عباس غبوش لأهله النوبة إنتو دايما خاتنكم «ورا» أي في المؤخرة، حامد بريمة في الكورة خاتنو ورا. ونحن لا نقل ظلماً عن أهلنا النوبة ولا يقل تهميشنا عن التهميش الذي دفع يوسف كوه للتمرد وحمل السلاح ولا عبد العزيز الحلو للتحصن بجبال كاودة. وبكل أسف فإن النخب التي تسيطر على الأوضاع في الأبيض لها إمتدادات في المركز هي التي توجه السياسات إذا أراد أهل شمال كردفان مجرد التفكير في قضاياهم ومشكلاتهم وهي التي تتزعم كل خطوات التهميش ولكن هذه المناطق إذا رضيت بالتهميش فإن الله سوف يعذب أهلها عذاباً شديداً. قال تعالي «إن الذين توفتهم الملائكة ظالمي أنفسهم قالوا فيما كنتم قالوا كنا مستضعفين في الأرض قالوا ألم تكن أرض الله واسعة فتهاجروا فيها»، وأرض الله تتسع لكي يهجر أهل سودري وجبرة الشيخ وبارا «الأبيض» ونخبها ويقيمون ولاية خاصة بهم، وهذه الولاية لها مقومات كثيرة من حيث عدد السكان والموارد، ولها حدود مشتركة مع ولاية الخرطوم وولايات دارفور والولاية الشمالية، ولها حدود دولية مع مصر وليبيا، ولها مصالح وعلاقات راسخة مع كل هذه الجهات بل هي ولاية الثروة الحيوانية والزراعة والذهب وغيره من المعادن النفيسة، ومن خلال هذه الولاية المتجانسة يمكن تحقيق تنمية حقيقية وليست شعارات من شاكلة الشعارات المرفوعة الآن باسم التنمية والنهضة وهذه المناطق لا يد لها فيها ولا صوت. هل تصدق عزيزي القارئ أن أكثر من عضو بالمجلس الوطني من مناطق سودري وجبرة الشيخ لا علم لهم بأن هناك احتفالاً لتدشين طريق أم درمان جبرة الشيخ بارا «من أصلو» وهناك أكثر من منظمة مجتمع مدني وناشط ومواطنين ومسئولين لا يجدون تفسيراً لحكاية تحويل الاحتفال بافتتاح الطريق من جبرة الشيخ إلى بارا. وهؤلاء النواب وغيرهم من المسؤولين لايعلمون أن الآليات المستخدمة في تشيد هذا الطريق «الجريجخي» معظمها مأخوذة من مشروع درء آثار الجفاف والتصحر وليس من بين مهام المشروع القومي لدرء آثار الجفاف تشييد الطرق، ولكن هذا المشروع ينشط في المشروعات الإنتاجية الصغيرة التي تدر عائدا للمتأثرين بالجفاف والتصحر في هذه المناطق، أما تشييد الطرق على أهميتها فهو مسؤولية وزارة الطرق والجسور وفي حالة إستخدام هذه الآليات التابعة للمشروع في الطريق فمن هو المسؤول عن الإهلاك الذي يحدث لهذه المعدات. وما هو دور وزارة الطرق والجسور التي كانت تتحدث عن قروض مالية لتشييد هذا الطريق وهي الآن تصمت وتترك الأمر برمته للولاية فهل تستطيع ولاية فقيرة تستقطع من رواتب العمال فيها أن تشيد طريقاً، وماذا تنفق على المشروعات الأخرى ووزارة المالية لم تقدم شيئاً مما التزم به حتى رئيس الجمهورية لدعم نفير شمال كردفان. لقد أيدنا نفير نهضة شمال كردفان ودعونا لدعمها بكل ما أوتينا من قوة ولكن النفير له طاقة محدودة من اسمه والانشرار في المشروعات يبدد طاقة الولاية ولا يحقق التنمية المنشودة لشمال كردفان عبر هذا النفير نقول ذلك والولاية الجديدة لسودري الكبرى هي المخرج الوحيد من تهميش الأبيض ولكم في النهود عبرة وفي ولاية غرب كردفان قدوة.