يبدو أن الشيخ موسى هلال بعد ان عبر اكثر من مرة عن غضبه وعدم رضائه تجاه سياسات ومواقف الحكومة التي لم تجد التفاعل الذي كان يأمله، مستخدماً الاحتجاج اللفظي والتململ سيما وهو يدرك موقف الحكومة ومسلكها تجاه التوازنات القبلية وتجاه التقاطعات حتى الدولية التي يملكها. فهلال يعتبر من اكبر زعماء العرب في اقليم دارفور وذلك لما يتمتع به من نفوذ قبلي ساعده في حشد مقاتلين تبنوا ايديولوجيات قتالية، وساند الخرطوم في كثير من الاوقات فى حملتها لمكافحة الحركات المسلحة المناوئة لها، واصبح من اكثر الزعماء اثارة للجدل في اعقاب ورود اسمه في لائحة المطلوبين في قائمة مدعي جرائم دارفور لويس اوكامبو بتهمة ارتكاب جرائم حرب ضد الإنسانية. الحالة التي يمر بها موسى تتخذ العديد من الأبعاد، فهو كما ذكر المحلل السياسي عبد الله آدم خاطر عسكري حليف للحكومة، الا انه له طموحاته السياسية المستندة إلى مجموعته القبلية ليصبح صوتاً لها، الا ان خاطر عاد وقال ان الحكومة لن تستطيع ان تقدم له ما يجعله نداً لها، وان تحالفه معها لا يعطيه حق الندية بل حق التبعية فقط، وبهذا يصبح وضعه الراهن متأزماً، وهذا فيه اشارة الى استغلال النظام له لتحقيق اهدافه. واتى ذلك بعد فترة من ممارسة تكليفه بديوان الحكم الاتحادي مستشاراً، واحساسه بالاحباط وعدم الرضاء، وانه بلا اعباء في منصبه الجديد، واعتقاده انه لا يمثل ثقلاً قبلياً فقط، لكنه جزء من تقاطعات مهمة في قضايا دارفور وتداعيات أزماتها والأخطاء التي تصاحب الموازنات السياسية. من ثم صعّد هلال مواجهته مع حكومة ولاية شمال دارفور ووالى الولاية عثمان كبر، مما ادى الى تبرؤ المكتب القيادي للمؤتمر الوطني بالولاية عن مؤتمر للصلح قام به الشيخ موسى بدارفور، واعتبره خارج منظومة الحزب، ووصفه بالخروج الصريح على المؤسسات، معلناً عن عدد من القرارات والموجهات في التعامل مع الاتفاق، وعدم فرض رأيه بالقوة والخروج على مؤسسية الدولة وإجماع الحزب، وتواترت الاحداث باعلانه الانشقاق من المؤتمر الوطني وتشكيل حركة سياسية جديدة باسم مجلس الصحوة الثوري السوداني. وفي أواخر نوفمبر من العام المنصرم قام بتوجيه طلب الى الحكومة السودانية للتفاوض معها في بلد محايد بوساطة اممية، محذراً في نفس الوقت من انه سيلجأ لخيارات اخرى لم يحددها في حال رفض الخرطوم الاصغاء لمطالبه. وهذه المواقف تبدو جديدة وغير متسقة مع تاريخ هلال الذي يعتبر الحليف الأكبر للحكومة في دارفور، مما حدا ببعض المراقبين لطرح العديد من الاسئلة حول هذه الخيارات المعلنة للرجل ودوافعه واهدافه، وهل هي نوع من المناورة السياسية لكسب المزيد من التنازلات من قبل الحكومة التي مازال يعمل فيها هلال، ام هو تطور جديد في اتجاه خلق تحالفات جديدة بين القبائل العربية التي يمثلها هلال بدارفور وتلك الاخرى التي ينحدر منها معظم مقاتلي الحركات المسلحة؟ ام ان تحركاته تصب في اطار عملية الانشقاقات الواسعة التي يشهدها حزب المؤتمر الوطني الحاكم والتصدعات الداخلية التي شهدها في الآونة الاخيرة؟ ويرى آخرون ان علاقة هلال بالبشير تجعل تمرده أمراً شبه مستحيل، وتحركاته الحالية كلها بأمر منه، وهناك صراع مختلق بينه وبين كبر حول زعامة منطقة شمال دارفور لإعلانها إمارة خاصة به. وكل الدلائل تقول إن الانقاذ اضحت امام خيارين، إما أن ترضخ لهذه المناورة السياسية عبر تقديم المزيد من التنازلات لصالح زعيم المحاميد، او ان تتحمل تبعات انشقاق جديد في صفها بسبب بناء تحالفات جديدة ضد الإنقاذ بقيادة هلال، ومن يدري ربما سارعت الحكومة لإطفاء الحريق بأقل الخسائر الممكنة واستجابت ورضخت لشروطه، لكنه في ذات الوقت تكون قد خسرت اطرافاً اخرى، وانتهجت نهجاً ربما يفتح عليها كثيراً من المواجهات.