جاءت الولاية الشمالية الأولى في الشهادة السودانية هذا العام، أحرزت المركز الأول على الولايات الأخرى بنسبة مشرِّفة فاستحقت أن تكون على قائمة لائحة الشرف إنجازاً علمياً غاب عنها عقودًا من الزمان ولم يكن ينافسها فيه منافس ولم يكن يتقدم على أبنائها دارس.. جاءت الولاية الشمالية الأولى وهذا يشرِّفنا أيما شرف ويُسعدنا بلا حدود ويجعلنا نفخر بأن أبناء الشمالية في ديار العزة والحضارة والتاريخ هبّوا من غفوتهم آباء ومعلمين وطلابًا ليُعيدوا مسيرة التعليم في الولاية سيرته الأولى. إن نجاح أبناء الولاية الشمالية في الشهادة السودانية ليس مفاجئًا لنا فمن خرج من الأسر نازحاً من الولاية تحت ضغط الحياة ومتطلبات المعيشة ويبحث عن التعليم لأبنائه وانتشروا في معظم أنحاء السودان وتوفرت لأبنائهم ظروفٌ أفضل في التعليم كان أبناؤهم من ضمن الأوائل في تلك الولايات. لا شك أن ما أنجزه طلاب الشهادة السودانية في الولاية الشمالية من نجاح لا شك أن وراءه من يستحق التكريم والإشادة والثناء ولكن يبقى السؤال: من هم الذين يستحقون هذا التكريم؟ من هم بحق من نقول لهم جُزيتم خيراً فهذه نتيجة تستحقُّ منا الثناء والشكر والتقدير لجهودكم وعطائكم؟ من هم؟ شاهدتُ وسمعتُ من خلال التلفزيون حديث الأخ مولانا فتحي خليل والي الولاية الشمالية وهم يحتفلون بما حققته الولاية الشمالية من نتيجة في الشهادة سمعتُه يُشيد بوزارة التربية والتعليم ويقدِّم لهم التهنئة بما تحقَّق من إنجاز باعتبارها صاحبة هذا الفضل، وسمعتُه أيضاً يُشيد بالمعلِّم الذي كان على يده هذا الإنجاز وذلك النجاح الذي وضع الولاية على قمّة لائحة الشرف لهذا العام ولم يزد الأخ الوالي على ذلك. ونقول للأخ الوالي لولا تكامل الجهود لما تحقَّق هذا النجاح. ولا شكَّ أن المعلم هو الأساس ولولا جهدُهُ وهو يعمل تحت ضغط الحياة في ظروف قاسية وهو يقبل في قناعة بدراهم لا تكفي ضروريات الحياة لأولاده وهو يحرص أن يقوم بواجبه في تلك الظروف لما وقف والي الولاية الشمالية يفخر بولايته بأنها الأولى. أما وزارة التربية والتعليم والقائمين بأمرها فلا شك أنهم بحق الميري لهم دور في الإنجاز مهما كان ضعف هذا الدور شاملاً على الولاية أو في بعضها، فالتعليم متطلباتُه كثيرة وكلُّها تدخل في مجال الميزانية والمال وعندما لا توفِّر لهم الولاية في ميزانيتها ذلك يصبح دورُهم ضعيفًا وفعاليتهم ضعيفة.. إننا لا نقلِّل من دورهم ولكن نقول إن هنالك من هو أحقُّ بالتكريم والإشادة والشكر والثناء. ومن وجهة نظري أن من يستحق الإشادة والتكريم بعد المعلم الذي تحدثنا عنه هم: أولاً: الطلاب أولئك «الغُبُش» الذين يذهبون إلى مدارسهم راجلين من مسافات بعيدة أو على ظهر دابّة حتى لو كانت على عجل، والذين هم في وقت الفراغ عمال في الحقول وفي المواسم يساعدون في جمع الثمار من النخيل والكثير منهم يذاكرون دروسهم في ضوء اللمبة أم شريط.. إنهم أحقُّ بالشكر على ما أنجزوا وحققوا من نجاح. ثانياً: الآباء والأمهات، فهم الذين يوفرون لأبنائهم مُعينات الدراسة حتى الكتب والمصاريف رغم المعاناة وضيق اليد. إنهم يقدِّمون التعليم لأبنائهم على ضروريات في حياتهم صرفوا عنها النظر.. إنهم أحق بالثناء والتقدير. ثالثاً: الجهد الشعبي بأشكاله المختلفة من المنظمات الخدمية لأبناء المنطقة ومساهمات المغتربين وروابط ولجان أبناء كل منطقة في العاصمة والمدن ودول المهجر.. إن ما يقدمه هؤلاء عظيم ولولاه لما وصلت الولاية لهذا النجاح، وعلى سبيل المثال ما قدَّمته منظمة بنجد في محلية مروي شرقها وغربها فقط في مجال التعليم من إجلاس وكتاب مدرسي وتأهيل للمعلم وإنشاء للمدارس وصيانة لها ودُور للمعلمين ودورات للطلاب لرفع المستوى لا يمكن أن يقدَّر بثمن ولا يمكن أن نوفيه حقَّه بكلمات وجمل.. إن إنشاء المدارس الجديدة بعد أن عجزت المدارس المهترئة القديمة عن استيعاب أعداد الطلاب نتيجة لانضمام أبناء النازحين يقوم بالجهد الشعبي ومساهمات أبناء الولاية الشمالية المغتربين وكذلك الإجلاس وصيانة المدارس ورعاية الطلاب المحتاجين. أخي الوالي بعد احترامي وتقديري لك أقول والله لا نبخل بالجهد والعطاء والمساهمة والسعي من أجل رفعة مناطقنا خاصةً في مجال التعليم فهو العنصر الحيوي للتقدم والنماء وما وصل إليه السودان من تعليم ومعرفة وتنمية خرج القائمون بأمره من الولاية الشمالية وقدموا دون منّ كما خرجتَ أنت من السكوت والمحس وخرج مصطفى عثمان وعبدالرحيم وبكري وخرج حسن أحمد طه والحاج عطا المنان وغلام الدين وخرج الجاز ومحمد خير والكشف يطول.. إن ماتقدِّرونه وتقدِّره الدولة لكم للتعليم لا يحقِّق تقدُّماً أو تطوراً وأن ما أُنجز من نجاح لم يكن ليتحقَّق لولا الجهدُ الشعبي الكبير الذي يقوم به أبناءُ المنطقة، ونأمُل أن تكون ميزانية التعليم بقدر احتياجاته وأن يتم استقطاب عطاء المنظمات التي تعمل في مجال النازحين والفقراء وأن تساهم الزكاة في تعليم المحتاجين والمساكين. أخي الوالي علينا أن نجلس جميعاً لنقيِّم ما يُبذل من جهد ونبحث عن قنوات للدعم ونعمل على استنفار جهود أبناء المنطقة الذين هم في مواقع المسؤولية لدعم مسيرة التعليم، فللأهل عليهم حقّ وللتعليم عليهم حقوق. ونكرِّر نداء الشهيد الزبير لأبناء المنطقة في مؤتمر تنمية مروي الذي قال فيه للمجتمعين: ابنوا مناطقكم ونمّوها كلٌّ من موقع مسؤوليته وعمله فلن نحاسب من يقدِّم لأهله.