الهمس الذي يدور جهراً عن العودة المرتقبة للامين العام للمؤتمر الشعبي د. حسن الترابي عراباً للنظام الحاكم وللم شمل الإسلاميين، يحمل بين طياته الكثير من الدلالات التي لطالما اجتهد عدد من قيادات الشعبي لنفيها جملةً وتفصيلاً، نافين اي حديث عن صفقات او لقاءات سرية تتم بين الحزبين لتوحيدهما، وانها مجرد اوهام وان سعيهم يصب في اتجاه توحيد اهل السودان. وحسب الوضع الراهن ومع انطلاقة الحوار الوطني الذي دعا له الحزب الحاكم كل الاحزاب السياسية جلوساً للمائدة المستديرة لحل قضايا السودان، فإن التكهنات اصابت من خلال اشارات واضحة بعث بها الامين السياسي للمؤتمر الشعبي بأن الحوار يسعى لجمع شمل الاسلاميين، بعيداً عن الاحزاب الاخرى. وهذا الحديث نحى اليه المحلل السياسي د. صلاح الدين الدومة من خلال تأكيده ان الواقع يشير لمساعٍ حثيثة لجمع شمل الاسلاميين والاستغناء عن بقية الاحزاب الاخرى، مؤكداً ان تصريحات قادة الشعبي تشير لذلك وبقوة، وقال الدومة ان حزب الامة القومي تم اقصاؤه جبرا من الحوار واضحى المؤتمر الشعبي يتفضل عليه في كل شيء بعد ان كان له القدح المعلى في اطلاق سراح الامام الصادق المهدي وسعيه الآن لادخاله في طاولة الحوار مما جعله يصبح فوق الجميع. بينما حدد بعض المراقبين الغرض من دعوة الحزب الحاكم للحوار الوطنى بثلاثة اهداف، جمع الفرقاء الاسلاميين «المؤتمر الوطنى والشعبى»، والاعداد المبكر لانتخابات 2015م، وتقسيم الدوائر الانتخابية بعيداً عن الاحزاب الاخرى التي من المتوقع ان يتم دمج الاحزاب الصغيرة منها في الكيانات الكبيرة منها، وهو ما قاد حزب الامة القومي الى رفض الدخول في الحوار بعد ان يئس من ان يكون له نصيب من السلطة، اضافة الى تفريغ حالة الاحتقان وتفكيك التحالفات السياسية التي تنادي بإزالة النظام بالقوة، مشيرين الى ان الهدف من الحوار مشاركة صورية ومرحلية لاقناع الرأى العام المحلي والدولى بخطأ توحيد الجبهة الداخلية وتنقية الاجواء. الا ان قراءة موقف الأحزاب من الحوار تقودنا الى حاجة هذه الاحزاب لمزيد من التطمينات والثقة فى المناخ المتعلق بالحوار، حتى يكتمل تصور مشروع الحوار الذي تقوم بوضعه آلية الحوار والاستفادة من مخرجاته. وحسب مصدر مطلع فإن كان الحوار ثنائياً فإنه لن ينجح في حل أزمات السودان بل سيقود الى المزيد منها، خاصة في ظل شكوك احزاب المعارضة في جدية الحزب الحاكم، حيث تراجعت فرص نجاح الحوار الوطني بصورة كبيرة، وظلت الكثير من القوى السياسية تتشكك في جدية الحزب الحاكم في الحوار باستثناء احزاب القبلة من الاسلاميين بطوائفهم الثلاث «الشعبي والامة والاتحادي». ولكن يبدو ان دخول الحزب الحاكم في حوار منفرد مع الشعبي زاد من شكوك الحزبين الآخرين خاصة حزب الامة القومي بقيادة المهدي، بينما رفضت القوى السياسية المنضوية تحت لواء قوى الإجماع الوطني اية دعوة للحوار مع الحزب الحاكم، وقدّمت جملة من الشروط قبل الدخول في أي حوار، خاصة بعد خطاب الرئيس البشير الاخير في بورتسودان الذي رفض فيه تصفية الحزب الحاكم او تأجيل الانتخابات، مما وضع الأحزاب التي كانت تدافع عن الحوار مع الوطني «من غير شروط» في موقف غاية الصعوبة، فلم يجد الحزب الحاكم الا البحث عن مخرج وتقديم تنازلات، لن تتم الا عبر دخول الترابي في المنظومة. وعلى الرغم من المواقف الكثيرة التي تُحسب على الشعبي ازاء قضايا السودان المختلفة، الا ان اعتذاره عن المشاركة في لقاء للمعارضة بالجبهة الثورية باوروبا جاء التزاماً منه بالحوار الداخلي، وبرر الشعبي الأمر بالتزامه بالحوار الداخلي ودعوته لها بضرورة حضورهم للحوار بضمانات تحفظوا عليها، لربما تساهم في ازالة الشبهات التي تدور حوله. إذن اي حوار وطني يجب أن يُراعي مطالبات الواقع السوداني المعقدة والمتشابك بعضها ببعض، ومن المهم ان يدرك الحزبان ان الحوار اذا كان المقصود منه توحيد الإسلاميين في مواجهة الآخرين وتمكينهم من الحكم، فإن ذلك لن يقود الى حل ازمات السودان التي استعصت وتشعّبت وتأقلمت ومن ثم تدولت، حتى اصبحت مفاتيح الحل في أغلبها خارجية وليست داخلية، والجميع يُدرك هذا الواقع.