عندما تستمع إلى مقطوعة القمر في كنانة بأداء مؤلفها الموسيقار برعي محمد دفع الله تحس أن شلالات الموسيقى المتدفقه تأخذك في سياحة وجدانية مشبعة بالرضا، وعبر خيوط الإحساس الطاغي بالانفعال العاطفي تنداح أخيلتك في رسم صورة كنانة المكان، وأكاد أجزم أن المؤلف على خلفية سودانيته كان يرسم بريشة العود ليوثق لكنانة السودانية تلك الأرض المنبسطة بولاية النيل الأبيض جنوب مدينة ربك، وبالرغم من ذلك تظل في دواخلنا معزة خاصة لأرض الكنانة مصر أم الدنيا، ولكن في درجة حب بعد الولاء للأم الذي هو قبل الولاء للخالة.. وعبر هذه المسارات التعبيرية بلغة الموسيقى أو الشعر أو الدوبيت نظل نوثق لعلاقة حميمة بين الإنسان والأرض في هذا السودان المشدود من أطرافه لدرجة التقطيع... ومع مشروعية الحلم الواعد في خطي واثقة يتطلع الوطن إلى غد مشرق تنصلح فيه أحوال البلاد والعباد !! ولأننا نحلم بما هو أفضل «وهذا من حقنا الطبيعي» ها هو مشروع سكر كنانة أكبر مصنع للسكر في منطقة إفريقيا والشرق الأوسط يفجر ينابيع الرحمة بإنتاج سلعة السكر «الطاقة التصميمية ارتفعت من 317 ألفاً إلى أكثر من 450 ألف طن / السنة»، التي هي واحدة من أهم السلع الإستراتيجية لموقعها المتميز جداً في خريطة الأمن الغذائي العالمي.. ومن المعلوم والبديهي في عالم الاستثمار أن المشروعات تخرج إلى الحياة وفي يدها حزمة من المحفزات يصطلح على تسميتها بالامتيازات والتسهيلات وهي بمثابة انحدار انسيابي يساعد المولود على تعلم المشي دون مشكلات قد تعوق عملية التنفيذ، وعبر نافذة الامتيازات هذه فقد حصل مشروع سكر كنانة على ميزات كثيرة منها حصانة المراجعة التي كفلت له الاستعانة في المراجعة بواسطة بيوتات خبرة عالمية وهي نقطة جوهرية قابلة للتفاوض حولها فيما يختص بموقف سلطات حكومة السودان إزاء حلقات التقييم والمتابعة.. وقبل أن نحكم على حلقة الصراع المحتدم بين صلاحيات الوزير السميح كوزير للصناعة في إعفاء العضو المنتدب محمد المرضي عن منصبة لأسباب لم يفصح عنها، دعونا نقف على بعض الحقائق المجردة وبلغة الأرقام لتسهل عملية التحليل والقراءة الصحيحة للمشهد بكلياته: جاء المرضي إلى موقع القيادة في شركة سكر كنانة ببرنامج عمل طموح استطاع من خلال إعادة هيكلة المشروع خفض العمالة الثابتة من «9» آلاف عامل إلى «4» آلاف عامل، والعمالة الموسمية من 15 ألفاً إلي 9 آلاف عامل.. فأفرزت عملية السلخ للجلد تدني ملحوظ في ضبط الصرف والسيطرة على النفقات الجارية للتشغيل «بنسبة ربع القيمة» مما نتج عنه استمرار في إنتاج السكر بتكاليف مستقرة ومنضبطة تطور من خلالها الأداء والعمل إلى مرحلة الإنتاج الإلكتروني مما قلل كلفة الإنتاج اليدوي إلى الربع، وهي مرحلة عرفت بدخول كنانة إلى حيز التمويل الذاتي اعتماداً على عائدات صادر الإيثانول والسكر الخام، وهي مرحلة بدأت فيها الأمور تتعافى في المشروع.. ومن خلال«نفاج» العافية التي سرت في أوصال مشروع سكر كنانة استطاعت سلطات كنانة في فترة ود المرضي من تقديم يد العون والمساعدة لإنسان السودان من خلال دعم برامج مجانية التعليم «أساس وثانوي» والصحة، بجانب تمويل بعض المشروعات الحيوية على رأسها المياه التي هي هاجس الإنسان في منطقة تعيش تحت خط الفقر، فها هو نائب الرئيس يفتتح مشروعات للمياه مولتها كنانة من ريع إنتاجها في كل من التقابة وجبل موية وفي الخاطر العديد من حلم المشروعات الواعدة.. أما فيما يختص بالامتيازات التي يتمتع بها العضو المنتدب فلا غضاضة فيها أصلاً مهما كبر حجمها ما دامت تم الحصول عليها بموافقة مجلس الإدارة الذي هو توليفة من مجموعة أعضاء دوليين جمعتهم مصلحة الاستثمار في السودان، في إطار قانون تأسيس الشركة الذي صارت بموجبه الشركة شخصية اعتبارية تقاضي وتقاضى ولا حساسية في ذلك، ولكن يبدو أن هناك صراعات خفية وتصفية لحسابات قديمة مرحلة أدت إلى اشتعال نيران الصراع بين الوزير والعضو المنتدب، ولأن مصلحة الوطن هي العليا، كل الخوف أن تؤدي نيران الصراع المحتدم بين الفرقاء إلى حجب الرؤية عن سطوع القمر في كنانة. ولأن مصلحة الوطن فوق الجميع وتقتضي أن نعض على كنانة بالنواجذ يجب تهدئة الأمور بين الوزارة والمرضي إلى درجة التبريد لقتل الموضوع بحثاً بذهنية مفتوحة لا تعرف الانتقام لنفسها. ومن هذا المنطلق نتوقع من السلطات العليا في الدولة إدارة الأزمة بفقه المثل السوداني: «موت الولد ولا خراب البلد». ولنا في اليابان أسوة حسنة عند إدارتها لأزمة شركة التويوتا مع الضرائب إبان الحملة الدعائية للملاكم الإسطورة محمد علي كلاي لمنتجات سيارات التويوتا!! ولأن الأشخاص إلى زوال، فقد تم احتواء الموقف تحت قبة هيبة الدولة دون ضجيج وضوضاء، كان يمكن أن يلحق أضراراً فادحة بسمعة الاستثمار الاقتصادي في اليابان!! فرحمة بكنانة التي ليست هي في كمال لياقة وعافية التويوتا العالمية!!