حملت الأنباء في الأيام الفائتة أن احد رجال المال والأعمال قد اُغتيل غيلةً وغدراً في يوم الوقفة بعد ادائه صلاة العشاء بالمسجد وذهابه لمنزله، وكتب عنه بعض اصدقائه ورثوه في الصحف وذكروه بالخير وعددوا بعض مآثره عليهم وعلي غيرهم، وما حدث هو قدر مقدور وقضاء مسطور رحمه الله رحمةً واسعةً وأنزل على قبره شآبيب رحمته. وقبل ان يتم القبض علي المتهمين بارتكاب الجريمة البشعة أو المتهم ان كان فرداً واحداً، راجت شائعات بأن المرحوم كان احد شهود الاثبات في قضية شركة الأقطان، وتمت تصفيته لتقبر معه المعلومات والأسرار التي يلم بها، ولكن ثبت بالدليل القاطع أن هذه الشائعة لا أساس لها من الصحة. وإن المرحوم كان يعمل بمؤسسة الأقطان ويدير مكتبها بمدينة بورتسودان، وانتهت فترة خدمته بها في عام 1977م أي قبل سبعة وثلاثين عاماً، ووقتها لم تكن شركة الأقطان موجودة، وقد كونت قبل عشرين عاماً ونيفاً بعد حل تلك المؤسسة الحكومية. وإن إطلاق الشائعات المغرضة في هذه القضية أو في غيرها من القضايا هو عمل غير اخلاقي يجد الإدانة والشجب إذا كان مدبراً بغرض تصقية الحسابات مع البعض وتضليل الرأي العام. ولكن في ذات الوقت فإن قضية شركة الأقطان استغرقت وقتاً طويلاً، وهذا يؤكد أنها معقدة وشائكة وفيها خفايا وأسرار غامضة كثيرة، وشركة الأقطان شركة مساهمة تضم عدداً من اتحادات المزارعين في المشروعات المروية، وكل مزارع في هذه المشروعات هو صاحب مساهمة قلت او كثرت، وتسهم في هذه الشركة مؤسسات اخرى قليلة ذات أسهم أقل كثيراً من أسهم المزارعين، وبالطبع فإن أية شركة تسعى للحصول على الأرباح وتوسيع وزيادة رأس مالها، وهذا تطلع وطموح مشروع، ولكن يبدو ان شركة الاقطان التي تمددت تمدداً اخطبوطياً ودخلت في شراكات مع أطراف وشركات اخرى كانت تجد سنداً سلطوياً قوياً وظهراً يسندها وركناً ركيناً ترتكز عليه، وأن من حق حملة الأسهم كأصحاب حق أصيل أن يلموا بالمعلومات والأرقام بكل تفاصيلها الدقيقة دون التركيز على جانب والتعتيم على جوانب اخرى، وأن هذه القضية قد أضحت قضية رأي عام في المقام الأول والأخير، ولتأخذ العدالة مجراها ومرساها في المسائل المعروضة أمام القضاء والأجهزة العدلية الموقرة. وفي احدى حلقات برنامج «المحطة الوسطى» استضيف السيد سلام محمد البشير رئيس مجلس إدارة شركة الأقطان السابق، وبعفوية وكلمات يبدو جلياً انها صادقة تحدث عن اصول الشركة وممتلكاتها وأموالها وما لها وما عليها، وعند حديثه عن تعاملات الشركة الخارجية مع البنوك ومؤسسات التمويل الأجنبية ذكر باليورو والدولار ارقاماً فلكية ضخمة تعادل قيمتها بالجنيه السوداني أرقاماً مذهلة تجعل الفرد يضع يديه على رأسه، ويبدو ان الشركة كانت مطلوقة اليد وكأنها حكومة داخل الحكومة، ولها ديون على آخرين افراداً كانوا أو جماعات أو مؤسسات مع بنود تبرعات ومساهمات سخية في مناشط خارج اختصاصها. وأن المطالبة الشعبية بالكشف عن الحقائق المجردة ليست فيها محاولة للتخوين والتجريم، ولكن الغرض هو اجلاء الحقائق للمساهمين وللرأي العام، ولا يمكن تجريد الشركة من كل عمل نافع ورميها بكل مذمة وقبح، فربما تكون لها أعمال نافعة في بعض المجالات ومساهمة بعض المتعاونين معها بعلاقاتهم الخارجية في فك الحظر جزئياً عن بعض الاحتياجات والمدخلات الزراعية قبل سنوات خلت أيام الحصار والتضييق الاقتصادي على السودان. وأن الغموض والضباب الكثيف هو الذي يحجب الرؤية، ولكن كشف الحقائق وإماطة اللثام عنها هو الذي يفرز اللون الأبيض من الأسود، ويميز بين الأعمال النافعة والأفعال والممارسات الانتهازية النفعية الضارة.